[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْأَنْكِحَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِالشَّرْعِ وَالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ وَحُكْمِهَا]
- وَالْأَنْكِحَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ فِيهَا مُصَرَّحًا أَرْبَعَةٌ: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَالْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ.
١ - فَأَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ: أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا وَقَعَ هَلْ يُصَحَّحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَحَّحُ، وَيُفْسَخُ أَبَدًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ سَمَّى لِإِحَدَاهِمَا صَدَاقًا أَوْ لَهُمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمَهْرُ الَّذِي سَمَّيَاهُ فَاسِدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالطَّبَرِيُّ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ النَّهْيُ الْمُعَلَّقُ بِذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْعِوَضِ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مُعَلَّلٍ لَزِمَ الْفَسْخُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ عَدَمُ الصَّدَاقِ صَحَّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ، مِثْلَ الْعَقْدِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الْمُنْعَقِدَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يُفْسَخُ إِذَا فَاتَ بِالدُّخُولِ، وَيَكُونُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى أَنَّ الصَّدَاقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ - فَفَسَادُ الْعَقْدِ هَا هُنَا مِنْ قِبَلِ فَسَادِ الصَّدَاقِ - مَخْصُوصٌ لِتَعَلُّقِ النَّهْيِ بِهِ، أَوْ رَأَى أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ تَعْيِينِ الْعَقْدِ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ.
٢ - أَمَّا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ: فَإِنَّهُ وَإِنْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِهِ، إِلَّا أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَفِي بَعْضِهَا: يَوْمَ الْفَتْحِ، وَفِي بَعْضِهَا: فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي بَعْضِهَا: فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا: فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا: عَامَ أَوْطَاسَ. وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَاشْتُهِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا، وَتَبِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَرَوَوْا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَحْتَجُّ لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤] وَفِي حَرْفٍ عَنْهُ: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute