للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقَوْلُ فِي شُّرُوطِ الرهن]

الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ وَأَمَّا شُرُوطُ الرَّهْنِ: فَالشُّرُوطُ الْمَنْطُوقُ بِهَا فِي الشَّرْعِ ضَرْبَانِ: شُرُوطُ صِحَّةٍ، وَشُرُوطُ فَسَادٍ.

فَأَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ الْمَنْطُوقُ بِهَا فِي الرَّهْنِ (أَعْنِي: فِي كَوْنِهِ رَهْنًا) فَشَرْطَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ وَمُخْتَلَفٌ فِي الْجِهَةِ الَّتِي بِهَا شَرْطٌ وَهُوَ الْقَبْضُ.

وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِهِ.

فَأَمَّا الْقَبْضُ: فَاتَّفَقُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] . وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ شَرْطُ تَمَامٍ أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ؟ وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ: أَنَّ مَنْ قَالَ: شَرْطُ صِحَّةٍ قَالَ: مَا لَمْ يَقَعِ الْقَبْضُ لَمْ يَلْزَمِ الرَّهْنُ الرَّاهِنَ. وَمَنْ قَالَ: شَرْطُ تَمَامٍ قَالَ: يَلْزَمُ الْعَقْد وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْإِقْبَاضِ إِلَّا أَنْ يَتَرَاخَى الْمُرْتَهِنُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ حَتَّى يُفْلِسَ الرَّاهِنُ، أَوْ يَمْرَضَ، أَوْ يَمُوتَ. فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ.

وَعُمْدَةُ مَالِكٍ: قِيَاسُ الرَّهْنِ عَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِالْقَوْلِ. وَعُمْدَةُ الْغَيْرِ: قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] .

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ كَاتِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] . لَا يُجَوِّزُ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَنْ يُوضَعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ.

وَعِنْدَ مَالِكٍ: أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الرَّهْنِ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهُ مَتَى عَادَ إِلَى يَدِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِعَارِيَّةٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ خَرَجَ مِنَ اللُّزُومِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ.

فَمَالِكٌ عَمَّمَ الشَّرْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَأَلْزَمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] وُجُودَ الْقَبْضِ وَاسْتَدَامَتَهُ.

وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فَقَدْ صَحَّ الرَّهْنُ وَانْعَقَدَ، فَلَا يَحُلُّ ذَلِكَ إِعَارَتَهُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَالْحَالِ فِي الْبَيْعِ.

وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى بِمَنْ يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَشْتَرِطَ الِاسْتِدَامَةَ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْه فِي الصِّحَّةِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الِاسْتِدَامَةَ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَضَرِ; فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ.

وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَمُجَاهِدٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: ٢٨٣] الْآيَةَ.

وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِمَا وَرَدَ مِنْ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ فِي الْحَضَرِ» . وَالْقَوْلُ فِي اسْتِنْبَاطِ مَنْعِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ مِنَ الْآيَةِ هُوَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>