للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْكَثْرَةُ لَا آحَادٌ وَهُوَ عِنْدَهُ أَصْنَافٌ: مِنْهَا مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ وَيَجُوزُ جُزَافًا، وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ، وَالْمَوْزُونَاتُ; وَمِنْهَا مَا أَصْلُهُ الْجُزَافُ وَيَكُونُ مَكِيلًا، وَهِيَ الْمَمْسُوحَاتُ كَالْأَرَضِينَ، وَالثِّيَابِ; وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّقْدِيرُ أَصْلًا بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ، بَلْ إِنَّمَا يَجُوزُ فِيهَا الْعَدَدُ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا، وَهِيَ كَمَا قُلْنَا الَّتِي الْمَقْصُودُ مِنْهَا آحَادُ أَعْيَانِهَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ التِّبْرَ وَالْفِضَّةَ الَغَيْرَ الْمَسْكُوكَيْنِ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ الْمَجْهُولَةُ عَلَى الْكَيْلِ (أَيْ: كُلُّ كَيْلٍ مِنْهَا بِكَذَا) ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْأَكْيَالِ وَقَعَ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بَعْدَ كَيْلِهَا وَالْعِلْمِ بِمَبْلَغِهَا; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُ إِلَّا فِي كَيْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي سَمَّيَاهُ. وَيَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ، وَفِي الطَّعَامِ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي الْكُلِّ فِيمَا أَحْسَبُ لِلْجَهْلِ بِمَبْلَغِ الثَّمَنِ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَصْدُقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي كَيْلِهَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ نَسِيئَةً، لِأَنَّهُ يَتَّهِمُهُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً لِيُنْظِرَهُ بِالثَّمَنِ; وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَكْتَالَهَا الْمُشْتَرِي لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ الصِّيعَانُ; وَأَجَازَهُ قَوْمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ; وَمِمَّنْ مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ ; وَمِمَّنْ أَجَازَهُ بِإِطْلَاقٍ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ; وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ الْكَيْلَ وَيَبِيعَ الْمَكِيلَ جُزَافًا مِمَّنْ يَجْهَلُ الْكَيْلَ; وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا هِيَ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ بَيْعُ مَجْهُولِ الْكَمِّيَّةِ بِمَجْهُولِ الْكَمِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَلِمَوْضِعِ التَّفَاضُلِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْقَدْرِ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بُيُوعِ الشُّرُوطِ والثُّنْيَا]

[بُيُوعُ الشُّرُوطِ]

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بُيُوعِ الشُّرُوطِ والثُّنْيَا وَهَذِهِ الْبُيُوعُ الْفَسَادُ يَكُونُ فِيهَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْفَسَادِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْغَرَرِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَضَمَّنَهَا النَّصُّ أَنْ تَجْعَلَ قِسْمًا مِنْ أَقْسَامِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ عَلَى حِدَةٍ.

وَالْأَصْلُ فِي اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ: أَحْدُهَا: حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: «ابْتَاعَ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>