[كِتَابُ الْقِرَاضِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَحِل القراض]
ِ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِ الْقِرَاضِ، وَأَنَّهُ مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْمَالَ عَلَى أَنه يَتَّجِرَ بِهِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ، أَيَّ جُزْءٍ كَانَ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ ثُلُثًا، أَوْ رُبُعًا، أَوْ نِصْفًا، وَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنَ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هِيَ لِمَوْضِعِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ، وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَإِنْ كَانَ اخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ تَعَدٍّ مِمَّا لَيْسَ بِتَعَدٍّ.
وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَرِنُ بِهِ شَرْطٌ يَزِيدُ فِي مَجْهَلَةِ الرِّبْحِ أَوْ فِي الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ مِمَّا لَا يَقْتَضِي.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّظَرُ فِيهِ: فِي صِفَتِهِ، وَفِي مَحِلِّهِ، وَفِي شُرُوطِهِ، وَفِي أَحْكَامِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِي بَابٍ باب مِنْ هَذِهِ ثَلَاثَةِ الْأَبْوَابِ مَشْهُورَاتِ مَسَائِلِهِ.
الْبَابُ الْأَوَّلُ
فِي مَحِلِّهِ أَمَّا صِفَتُهُ: فَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهَا. وَأَمَّا مَحِلُّهُ: فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُرُوضِ فَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إِذَا كَانَ عُرُوضًا كَانَ غَرَرًا; لِأَنَّهُ يَقْبِضُ الْعَرَضَ وَهُوَ يُسَاوِي قِيمَةً مَا، وَيَرُدُّهُ وَهُوَ يُسَاوِي قِيمَةً غَيْرَهَا، فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ مَجْهُولًا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَا بِهِ يُبَاعُ الْعُرُوضُ، فَإِنَّ مَالِكًا مَنَعَهُ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَارَضَهُ عَلَى مَا بِيعَتْ بِهِ السِّلْعَةُ وَعَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ نَفْسِهَا، فَكَأَنَّهُ قِرَاضٌ، وَمَنْفَعَةٌ، مَعَ أَنَّ مَا يَبِيعُ بِهِ السِّلْعَةَ مَجْهُولٌ، فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا قَارَضَهُ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَجْهُولٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا إِنَّمَا مَنَعَ الْمُقَارَضَةَ عَلَى قِيَمِ الْعُرُوضِ لِمَكَانِ مَا يَتَكَلَّفُ الْمُقَارِضُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ يَنِضُّ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَعْطَاهُ الْعَرَضَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقْرَبُ الْوُجُوهِ إِلَى الْجَوَازِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ; فَإِنَّهُمْ حَكَوْا عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ ثَوْبًا يَبِيعُهُ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute