وَأَمَّا الشَّرْطُ الْمُحَرَّمُ الْمَمْنُوعُ بِالنَّصِّ فَهُوَ: أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِحَقِّهِ عِنْدَ أَجْلِهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ: فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، وَأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» .
[الْقَوْلُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَام الرهن]
الْقَوْلُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
وَهُوَ الْقَوْلُ فِي الْأَحْكَامِ. وَهَذَا الْجُزْءُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لِلرَّاهِنِ مِنَ الْحُقُوقِ فِي الرَّهْنِ وَمَا عَلَيْهِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَا لِلْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَمَا عَلَيْهِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ إِمَّا مِنْ نَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِمَّا لِأُمُورٍ طَارِئَةٍ عَلَى الرَّهْنِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَالِاتِّفَاقُ.
وأَمَّا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ: فَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الرَّاهِنُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ وَيُنْصِفَهُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُجِبْهُ الرَّاهِنُ إِلَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ غَائِبًا، وَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ; وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إِلَى السُّلْطَانِ.
وَالرَّهْنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَبِبَعْضِهِ (أَعْنِي: أَنَّهُ إِذَا رَهَنَهُ فِي عَدَدٍ مَا فَأَدَّى مِنْهُ بَعْضَهُ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِأَسْرِهِ يَبْقَى بَعْدُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ) . وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يَبْقَى مِنَ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنَ الْحَقِّ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، أَصْلُهُ حَبْسُ التَّرِكَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدُّوا الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ.
وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَهُ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَبْعَاضُهُ مَحْبُوسَةً بِأَبْعَاضِهِ، أَصْلُهُ الْكَفَالَةُ.
وَمِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ الْمَشْهُورَةِ: اخْتِلَافُهُمْ فِي نَمَاءِ الرَّهْنِ الْمُنْفَصِلِ، مِثْلُ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ الْمَرْهُونِ، وَمِثْلُ الْغَلَّةِ، وَمِثْلُ الْوَلَدِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ الْمُنْفَصِلِ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ (أَعْنِي: الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ. وَفَرَّقَ مَالِكٌ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ الْمُنْفَصِلِ عَلَى خِلْقَتِهِ وَصُورَتِهِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ مَعَ الْجَارِيَةِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى خِلْقَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ، كَانَ مُتَوَلِّدًا عَنْهُ كَثَمَرِ النَّخْلِ، أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ كَكِرَاءِ الدَّارِ وَخَرَاجِ الْغُلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute