للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُمْدَةُ مَنْ رَأَى أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ وَغَلَّتَهُ لِلرَّاهِنِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ» . قَالُوا: وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِقَوْلِهِ: «مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» ; أَيْ يَرْكَبُهُ الرَّاهِنُ وَيَحْلِبُهُ; لِأَنَّهُ كَأنَ يَكُون غَيْرَ مَقْبُوضٍ، وَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِكَوْنِهِ رَهْنًا، فَإِنَّ الرَّهنَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَحْلِبُهُ وَيَرْكَبُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ أُجْرَةَ ظَهْرِهِ لِرَبِّهِ، وَنَفَقَتَهُ عَلَيْهِ.

وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الرَّهْنُ مِمَّنْ رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . قَالُوا: وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ زَائِدٌ عَلَى مَا رَضِيَهُ رَهْنًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا بِشَرْطٍ زَائِدٍ.

وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْفُرُوعَ تَابِعَةٌ لِلْأُصُولِ فَوَجَبَ لَهَا حُكْمُ الْأَصْلِ; وَلِذَلِكَ حُكْمُ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِحُكْمِ أُمِّهِ فِي التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ فِي الْبَيْعِ (أَيْ: هُوَ تَابِعٌ لَهَا) ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرِة وَالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الْمُفَرِّقَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يَتْبَعُ بَيْعَ الْأَصْلِ إِلَّا بِالشَّرْطِ وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ يَتْبَعُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنَ الرَّهْنِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا كَانَ الرَّهْنُ حَيَوَانًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْلِبَهُ وَيَرْكَبَهُ بِقَدْرِ مَا يَعْلِفُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ» .

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الرَّهْنِ يَهْلِكُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِمَّنْ ضَمَانُهُ؟

فَقَالَ قَوْمٌ: الرَّهْنُ أَمَانَةٌ وَهُوَ مِنَ الرَّاهِنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ فِيهِ وَمَا جَنَى عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: الرَّهْنُ مِنَ الْمُرْتَهِنِ وَمُصِيبَتُهُ مِنْهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجُمْهُورُ الْكُوفِيِّينَ.

وَالَّذِينَ قَالُوا بِالضَّمَانِ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ قِيمَةِ الدَّيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَجَمَاعَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَإِنَّهُ إِنْ فَضَلَ لِلرَّاهِنِ شَيْءٌ فَوْقَ دَيْنِهِ أَخَذَهُ مِنَ الْمُرْتَهِنِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَطَاءٌ، وَإِسْحَاقُ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْحَيَوَانِ، وَالْعَقَارِ مِمَّا لَا يَخْفَى هَلَاكُهُ، وَبَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُرُوضِ، فَقَالُوا: هُوَ ضَامِنٌ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَمُؤْتَمَنٌ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إِذَا شَهِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>