[الْبَابُ الثَّانِي فِي بُيُوعِ الرِّبَا]
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّبَا يُوجَدُ فِي شَيْئَيْنِ: فِي الْبَيْعِ، وَفِيمَا تَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ سَلَفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَأَمَّا الرِّبَا فِيمَا تَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ صِنْفَانِ: صِنْفٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ بِالزِّيَادَةِ وَيُنْظِرُونَ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَنْظِرْنِي أَزِدْكَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا وَإِنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» .
وَالثَّانِي: " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ.
وَأَمَّا الرِّبَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ صِنْفَانِ: نَسِيئَةٌ، وَتَفَاضُلٌ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إِنْكَارِهِ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ لِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» . وَإِنَّمَا صَارَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الرِّبَا فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْكَلَامُ فِي الرِّبَا يَنْحَصِرُ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ، وَتَبْيِينُ عِلَّةِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ.
الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. الرَّابِعُ: فِي مَعْرِفَةِ مَا يُعَدُّ صِنْفًا وَاحِدًا مِمَّا لَا يُعَدُّ صِنْفًا وَاحِدًا.
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ وَتَبْيِينِ عِلَّةِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ وَالنَّسَاءَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنَ الْأَصْنَافِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ هُوَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» ، فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute