للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا كَوْنُ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ تَخْتَصُّ بِالْأَحْرَارِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا. وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ إِذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ فَرْضَ عَيْنٍ مِثْلَ أنْ لَا يَكُونَ هُنَالِكَ مَنْ يَقُومُ بِالْفَرْضِ إِلَّا بِقِيَامِ الْجَمِيعِ بِهِ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا ثَبَتَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» . وَاخْتَلَفُوا فِي إِذْنِ الْأَبَوَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي إِذْنِ الْغَرِيمِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ سَأَلَهُ الرَّجُلُ: «أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ إِنْ مُتُّ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ آنِفًا» . وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا تَخَلَّفَ وَفَاءٌ مِنْ دَيْنِهِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

َ فَأَمَّا الَّذِينَ يُحَارَبُونَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْحَبَشَةِ بِالْحَرْبِ وَلَا التَّرْكُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «ذَرُوا الْحَبَشَةَ مَا وَذَرَتْكُمْ» . وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ، فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَحَامَوْنَ غَزْوَهُمْ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

وَأَمَّا مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ فَإِنَّ النِّكَايَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ فِي الْأَمْوَالِ، أَوْ فِي النُّفُوسِ، أَوْ فِي الرِّقَابِ، أَعْنِي: الِاسْتِعْبَادَ وَالتَّمَلُّكَ.

فَأَمَّا النِّكَايَةُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِعْبَادُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِطَرِيقِ الْإِجْمَاعِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُشْرِكِينَ، أَعْنِي: ذُكْرَانَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ صِغَارَهُمْ وَكِبَارَهُمْ إِلَّا الرُّهْبَانَ. فَإِنَّ قَوْمًا رَأَوْا أَنْ يُتْرَكُوا وَلَا يُؤْسَرُوا، بَلْ يُتْرَكُوا دُونَ أَنْ يُعْرَضَ إِلَيْهِمْ لَا بِقَتْلٍ وَلَا بِاسْتِعْبَادٍ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَذَرُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَيْهِ» . وَاتِّبَاعًا لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ.

وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُسَارَى فِي خِصَالٍ: مِنْهَا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَعْبِدَهُمْ، وَمِنْهَا أَنْ يَقْتُلَهُمْ، وَمِنْهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَمِنْهَا أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَسِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>