وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَارُضُ الْأَفْعَالِ، وَمُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] الْآيَةَ - أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ إِلَّا الْمَنُّ أَوِ الْفِدَاءُ، وقَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] الْآيَةَ.
وَالسَّبَبُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِعْبَادِ. وَأَمَّا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدَ قَتَلَ الْأُسَارَى فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ، وَقَدْ مَنَّ وَاسْتَعْبَدَ النِّسَاءَ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْبِدْ أَحْرَارَ ذُكُورِ الْعَرَبِ، وَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ عَلَى اسْتِعْبَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَةَ الْخَاصَّةَ بِفِعْلِ الْأُسَارَى نَاسِخَةً لِفِعْلِهِ قَالَ: لَا يُقْتَلُ الْأَسِيرُ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِقَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَصْرُ مَا يُفْعَلُ بِالْأُسَارَى، بَلْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَيَحُطُّ الْعُتْبَ الَّذِي وَقَعَ فِي تَرْكِ قَتْلِ أُسَارَى بَدْرٍ - قَالَ: بِجَوَازِ قَتْلِ الْأَسِيرِ.
وَالْقَتْلُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ بَعْدَ تَأْمِينٍ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَجُوزُ تَأْمِينُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَأْمِينِ الْإِمَامِ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ أَمَانِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِ الْإِمَامِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَانِ الْعَبْدِ وَأَمَانِ الْمَرْأَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهِ، وَكَانَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يَقُولَانِ: أَمَانُ الْمَرْأَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ؛ أَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» فَهَذَا يُوجِبُ أَمَانَ الْعَبْدِ بِعُمُومِهِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لَهُ فَهُوَ أَنَّ الْأَمَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْكَمَالُ، وَالْعَبْدُ نَاقِصٌ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْعُبُودِيَّةِ تَأْثِيرٌ فِي إِسْقَاطِهِ قِيَاسًا عَلَى تَأْثِيرِهَا فِي إِسْقَاطِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَنْ يُخَصَّصَ ذَلِكَ الْعُمُومُ بِهَذَا الْقِيَاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute