رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إِنَّمَا تُزَالُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى وَبَيْنَ الْغَيْرِ مَعْقُولَتِهِ أَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ الْغَيْرَ مَعْقُولَةٍ آكَدَ فِي بَابِ الْوُجُوبِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ، وَبَيْنَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَسِ ; لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ النَّجَسِ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا النَّظَافَةُ، وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ.
وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ فَغَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى مَعَ مَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ صَلَاتِهِمْ فِي النِّعَالِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ أَنْ يُوطَأَ بِهَا النَّجَاسَاتُ غَالِبًا، وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنِ الْيَسِيرِ فِي بَعْضِ النَّجَاسَاتِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ]
ِ وَأَمَّا أَنْوَاعُ النَّجَاسَاتِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا مِنْ أَعْيَانِهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ: مَيْتَةِ الْحَيَوَانِ ذِي الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمَائِيٍّ، وَعَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِأَيِّ سَبَبٍ اتَّفَقَ أَنْ تَذْهَبَ حَيَاتُهُ، وَعَلَى الدَّمِ نَفْسِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَيْسَ بِمَائِيٍّ انْفَصَلَ مِنَ الْحَيِّ أَوِ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ مَسْفُوحًا أَعْنِي: كَثِيرًا وَعَلَى بَوْلِ ابْنِ آدَمَ وَرَجِيعِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى نَجَاسَةِ الْخَمْرِ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ مِنْ ذَلِكَ سَبْعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي مَيْتَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا دَمَ لَهُ، وَفِي مَيْتَةِ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَيْتَةَ مَا لَا دَمَ لَهُ طَاهِرَةٌ، وَكَذَلِكَ مَيْتَةُ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَيْتَةِ ذَوَاتِ الدَّمِ وَالَّتِي لَا دَمَ لَهَا فِي النَّجَاسَةِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إِلَّا مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ مِثْلَ دُودِ الْخَلِّ، وَمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْمَطْعُومَاتِ، وَسَوَّى قَوْمٌ بَيْنَ مَيْتَةِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَاسْتَثْنَوْا مَيْتَةَ مَا لَا دَمَ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا أَحْسَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، وَاخْتَلَفُوا أَيُّ خَاصٍّ أُرِيدَ بِهِ، فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ، وَمَا لَا دَمَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَثْنَى مَيْتَةَ مَا لَا دَمَ لَهُ فَقَطْ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الدَّلِيلِ الْمَخْصُوصِ.
أَمَّا مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَا دَمَ لَهُ، فَحُجَّتُهُ مَفْهُومُ الْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَمْرِهِ بِمَقْلِ الذُّبَابِ إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ» ، قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الذُّبَابِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِلَّةٌ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ ذِي دَمٍ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَعِنْدَهُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالذُّبَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنَّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute