الْمَجَازِيَّةُ، إِذْ لَا يَدُلُّ لَفْظٌ وَاحِدٌ دَلَالَتَيْنِ: حَقِيقَةً وَمَجَازًا. قُلْتُ: الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَهُ عُمُومٌ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا - أَعْنِي: الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ - وَإِنْ كَانَ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِلْعَرَبِ، وَلِذَلِكَ الْقَوْلُ بِهِ فِي غَايَةٍ مِنَ الضَّعْفِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِ تَصَرُّفًا لَجَازَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الظِّهَارَ مُشَبَّهٌ عِنْدَهُمْ بِالْإِيلَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ عِنْدَهُمْ بِالْفَرْجِ.
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ هَلْ يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ بِتَكَرُّرِ النِّكَاحِ]
ِ؟ وَأَمَّا تَكَرُّرُ الظِّهَارِ بَعْدَ الطَّلَاقِ - أَعْنِي: إِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا هَلْ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الظِّهَارُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسِيسُ حَتَّى يُكَفِّرَ - فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَهَا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ رَاجَعَهَا فِي غَيْرِ الْعِدَّةِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ; وَعَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الظِّهَارُ رَاجِعٌ عَلَيْهَا نَكَحَهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ، أَوْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ يُطَلِّقُ، ثُمَّ يُرَاجِعُ، هَلْ تَبْقَى تِلْكَ الْيَمِينُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلِ الطَّلَاقُ يَرْفَعُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَيَهْدِمُهَا، أَوْ لَا يَهْدِمُهَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْبَائِنَ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ يَهْدِمُ، وَأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَا يَهْدِمُ; وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الطَّلَاقَ كُلَّهُ غَيْرُ هَادِمٍ، وَأَحْسَبُ أَنَّ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ كُلَّهُ هَادِمٌ.
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي دُخُولِ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ]
ِ وَأَمَّا هَلْ يَدْخُلُ الْإِيلَاءُ عَلَى الظِّهَارِ إِذَا كَانَ مُضَارًّا، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُكَفِّرَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَفَّارَةِ؟ فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا اخْتِلَافًا: فَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ: لَا يَتَدَاخَلُ الْحُكْمَانِ، لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ خِلَافُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُمْ مُضَارًّا، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ الْإِيلَاءُ عَلَى الظِّهَارِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَدْخُلُ الْإِيلَاءُ عَلَى الظِّهَارِ، وَتَبِينُ مِنْهُ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُضَارَّةِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ: إِنَّهُ يَدْخُلُ بِإِطْلَاقٍ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِإِطْلَاقٍ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْمُضَارَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ مَعَ عَدَمِهَا. وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى، وَاعْتِبَارُ الظَّاهِرِ; فَمَنِ اعْتَبَرَ الظَّاهِرَ قَالَ: لَا يَتَدَاخَلَانِ; وَمَنِ اعْتَبَرَ الْمَعْنَى قَالَ: يَتَدَاخَلَانِ إِذَا كَانَ الْقَصْدُ الضَّرَرَ.
[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي أَحْكَامِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ]
ِ وَالنَّظَرُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَتَرْتِيبِهَا، وَشُرُوطِ نَوْعٍ مِنْهَا - أَعْنِي: الشُّرُوطَ الْمُصَحِّحَةَ -، وَمَتَى تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؟ وَمَتَى تَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ فَأَمَّا أَنْوَاعُهَا: فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ، أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute