الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ: فَاسْتِحْسَانٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا عَمَّمَ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إِلَى النِّكَاحِ الْحَلَالِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَنَتًا بِهِ وَحَرَجًا، وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا إِذَا خَصَّصَ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِذَا أَلْزَمْنَاهُ الطَّلَاقَ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَلَاقَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «لَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» . وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَضَعَّفَ قَوْمٌ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ]
الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَلَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: بَائِنٍ، وَرَجْعِيٍّ ; وَكَانَتْ أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ غَيْرَ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْجِنْسِ بَابَانِ:
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ.
الْبَابُ الثَّانِي: فِي أَحْكَامِ الِارْتِجَاعِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ - وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ رَجْعَةَ الزَّوْجَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] ، وَأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذَا الطَّلَاقِ تَقَدُّمَ الْمَسِيسِ لَهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْإِشْهَادُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ؟ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا هَلْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ؟ فَأَمَّا الْإِشْهَادُ: فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ: مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلظَّاهِرِ: وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute