للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَائِشَةَ الْمَشْهُورِ.

وَأَمَّا الْمُفْرِدُ لِلْحَجِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ - كَمَا قُلْنَا - يَوْمَ النَّحْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَارِنِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: يُجْزِئُ الْقَارِنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ، وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ. وَرَوَوْا هَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُمَا نُسُكَانِ، مِنْ شَرْطِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا انْفَرَدَ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَا.

فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي وُجُوبِ هَذَا الْفِعْلِ وَصِفَتِهِ وَشُرُوطِهِ وَعَدَدِهِ وَوَقْتِهِ، وَالَّذِي يَتْلُو هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، أَعْنِي: طَوَافَ الْقُدُومِ - هُوَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الثَّالِثُ لِلْإِحْرَامِ، فَلْنَقُلْ فِيهِ.

[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

ِ، وَالْقَوْلُ فِي السَّعْيِ وَحُكْمِهِ، وَفِي صِفَتِهِ، وَفِي شُرُوطِهِ، وَفِي تَرْتِيبِهِ. الْقَوْلُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ وَاجِبٌ. وَإِنْ لَمْ يَسْعَ كَانَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ سُنَّةٌ. وَإِذَا رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، وَلَمْ يَسْعَ - كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَطَوُّعٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ.

فَعُمْدَةُ مَنْ أَوْجَبَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْعَى وَيَقُولُ: اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» . رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ أَفْعَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ، إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ مِنْ سَمَاعٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ.

وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] . قَالُوا: إِنَّ مَعْنَاهُ أَلَّا يَطُوفَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَكَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٦] مَعْنَاهُ: أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا، وَضَعَّفُوا حَدِيثَ ابْنِ الْمُؤَمِّلِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ تَحَرَّجُوا أَنْ يَسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى مَا كَانُوا يَسْعَوْنَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَوْضِعُ ذَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِبَعْضِ الْأَصْنَامِ، فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُبِيحَةً لَهُمْ. وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ، أَعْنِي: وَصْلَ السَّعْيِ بِالطَّوَافِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>