٢ - الْقَوْلُ فِي صِفَتِهِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مِنْ سَنَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْحَدِرَ الرَّاقِي عَلَى الصَّفَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ، فَيَمْشِي عَلَى جِبِلَّتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ بَطْنَ الْمَسِيلِ، فَيَرْمُلُ فِيهِ حَتَّى يَقْطَعَهُ إِلَى مَا يَلِي الْمَرْوَةَ.
فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ، وَجَاوَزَهُ - مَشَى عَلَى سَجِيَّتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، فَيَرْقَى عَلَيْهَا حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ. ثُمَّ يَقُولُ عَلَيْهَا نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الصَّفَا.
وَإِنْ وَقَفَ أَسْفَلَ الْمَرْوَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ. ثُمَّ يَنْزِلُ عَنِ الْمَرْوَةِ، فَيَمْشِي عَلَى سَجِيَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى بَطْنِ الْمَسِيلِ. فَإِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ رَمَلَ حَتَّى يَقْطَعَهُ إِلَى الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الصَّفَا.
يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، يَبْدَأُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةَ. فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا أُلْغِيَ ذَلِكَ الشَّوْطُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، نَبْدَأُ بِالصَّفَا» . يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] . وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ جَهِلَ، فَبَدَأَ بِالْمَرْوَةَ - أَجْزَأَ عَنْهُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَقْتِ السَّعْيِ قَوْلٌ مَحْدُودٌ؛ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ. وَثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمَلِكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» .
الْقَوْلُ فِي شُرُوطِهِ وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةَ مِنَ الْحَيْضِ كَالطَّوَافِ سَوَاءٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «افْعَلِي كُلَّ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، وَلَا تَسْعَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . انْفَرَدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، دُونَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِهِ، إِلَّا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِالطَّوَافِ.
الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِهِ وَأَمَّا تَرْتِيبُهُ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّعْيَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَأَنَّ مَنْ سَعَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ. فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءَ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ فِي الْحَجِّ كَانَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ، أَوْ عُمْرَةٌ أُخْرَى. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي حُكْمِ السَّعْيِ وَصِفَتِهِ وَشُرُوطِهِ الْمَشْهُورَةِ وَتَرْتِيبِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute