قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ، ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ! قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَحْلِقْنَ، وَأَنَّ سَنَتَهُنَّ التَّقْصِيرُ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نُسُكٌ يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الْحِلَاقُ نُسُكٌ لِلْحَاجِّ وَلِلْمُعْتَمِرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَأُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بِعُذْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا فِي الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حِلَاقٌ وَلَا تَقْصِيرٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ جَعَلَ الْحِلَاقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكًا أَوْجَبَ فِي تَرْكِهِ الدَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنَ النُّسُكِ لَمْ يُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا.
[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]
ِ وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُتَمَتِّعِ مَنْ هُوَ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ.
وَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى تِلْكَ الْأَجْنَاسِ بِعَيْنِهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ وَمَا الْوَاجِبُ فِيهَا؟ وَمَتَى تَجِبُ؟ وَلِمَنْ تَجِبُ؟ وَفِي أَيِّ مَكَانٍ تَجِبُ؟
فَأَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ فَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمُتَمَتِّعِ مَنْ هُوَ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْوَاجِبِ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ هُوَ شَاةٌ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] ، وَمَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ شَاةٌ، وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ: بَقَرَةٌ أَدْوَنُ مِنْ بَقَرَةٍ، وَبَدَنَةٌ أَدْوَنُ مِنْ بَدَنَةٍ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الزَّمَانِ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِانْقِضَائِهِ فَرْضُهُ مِنَ الْهَدْيِ إِلَى الصِّيَامِ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَقَدِ انْتَقَلَ وَاجِبُهُ إِلَى الصَّوْمِ، وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لَزِمَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ هُوَ هَلْ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ هُوَ شَرْطٌ فِي اسْتِمْرَارِهَا؟
وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ الْأَيَّامِ هِيَ عِنْدَهُ بَدَلٌ مِنَ الْهَدْيِ، وَالسَّبْعَةُ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَامَ ثَلَاثَةَ الْأَيَّامَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى