للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفُرْقَةُ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ آتٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ إِلَى أَجَلٍ. وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي تَشْبِيهُهَا بِالْمُدَبَّرَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إِنْ عَجَزَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا.

وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ إِذَا وَطِئَهَا هَلْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَمْ لَا؟ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِ الصَّدَاقِ لَهَا، وَالْعُلَمَاءُ فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى حُكْمِ الْعَبْدِ مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبِيدُ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي بَيْعِهِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُبَاعُ الْمُكَاتَبُ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ ; لِأَنَّ بَرِيرَةَ بِيعَتْ وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا رَضِيَ الْمُكَاتِبُ بِالْبَيْعِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ إِذْ بِيعَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ.

وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ بَيْعَ الْمُكَاتَبِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَلِ الْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ أَمْ لَا؟

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْكِتَابَةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَرَأَى الشُّفْعَةَ فِيهَا لِلْمُكَاتَبِ.

وَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ شَبَّهَ بَيْعَهَا بِبَيْعِ الدَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ رَآهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ.

وَكَذَلِكَ شَبَّهَ مَالِكٌ الشُّفْعَةَ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ، وَفِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَعْنِي: فِي الشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ) ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْكِتَابَةِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِذَهَبٍ أَنَّهَا تَجُوزُ بِعَرَضٍ مُعَجَّلٍ لَا مُؤَجَّلَ لِمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

وَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِعَرَضٍ كَانَ شِرَاؤُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مُعَجَّلَيْنِ أَوْ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ، وَإِذَا أُعْتِقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُكَاتِبِ لَا لِلْمُشْتَرِي.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ الْعَبْدَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟

[شُرُوطُ الْكِتَابَةِ]

وَأَمَّا شُرُوطُ الْكِتَابَةِ فَمِنْهَا شَرْعِيَّةٌ هِيَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ ذِكْرِ أَرْكَانِ الْكِتَابَةِ. وَمِنْهَا شُرُوطٌ بِحَسَبِ التَّرَاضِي، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَمِنْهَا مَا إِذَا تُمُسِّكَ بِهِ أَفْسَدَتِ الْعَقْدَ وَإِذَا تُرِكَتْ صَحَّ الْعَقْدُ، وَمِنْهَا شُرُوطٌ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَمِنْهَا شُرُوطٌ لَازِمَةٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا هِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، وَلَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا كِتَابَ فَرَوْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابُ أُصُولٍ.

وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُ الْعَقْدَ بِالْجُمْلَةِ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْعَقْدِ.

وَالشُّرُوطُ الْجَائِزَةُ هِيَ الَّتِي لَا تُؤَدِّي إِلَى إِخْلَالٍ بِالشُّرُوطِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْعَقْدِ وَلَا تُلَازِمُهَا، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَيْسَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الشُّرُوطِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَوْ لَيْسَ مِنْهَا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنْ إِخْلَالِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>