[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا]
وَالْقَوْلُ الْمُحِيطُ بِأُصُولِ هَذَا الْكِتَابِ يَشْتَمِلُ بِالْجُمْلَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا.
الثَّانِي: مَعْرِفَةُ مَنْ تَجُوزُ لَهُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ.
الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ جَوَازِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ.
الرَّابِعُ: فِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ.
الْخَامِسُ: فِيمَا تُصْنَعُ بِهِ هَذِهِ الطَّهَارَةُ.
السَّادِسُ: فِي نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ.
السَّابِعُ: فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي اسْتِبَاحَتِهَا.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا.
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ هِيَ بَدَلٌ مِنَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُبْرَى، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِهَا بَدَلًا مِنَ الْكُبْرَى، وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرَوْنَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَكُونُ بَدَلًا مِنَ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: الِاحْتِمَالُ الْوَارِدُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، وَأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُمُ الْآثَارُ الْوَارِدَةُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ، أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْوَارِدُ فِي الْآيَةِ فَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] يَحْتَمُلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِيهِ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِمَا مَعًا، لَكِنْ مَنْ كَانَتِ الْمُلَامَسَةُ عِنْدَهُ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعَ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَمَنْ كَانَتِ الْمُلَامَسَةُ عِنْدَهُ هِيَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ عِنْدَهُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ، إِذْ كَانَتِ الضَّمَائِرُ إِنَّمَا يُحْمَلُ أَبَدًا عَوْدُهَا عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا حَتَّى يَكُونَ تَقْدِيرُهَا هَكَذَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ، أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا.
وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، فَإِنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ مَجَازٌ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ