[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]
ِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَوْعِهَا وَفِي وَقْتِهَا، وَفِي الْحُكْمِ اللَّازِمِ عَنْهَا، وَفِي شُرُوطِهَا، وَفِي صِفَةِ لُزُومِهَا، وَفِي مَحِلِّهَا.
وَلَهَا أَسْمَاءٌ: كَفَالَةٌ، وَحَمَالَةٌ، وَضَمَانَةٌ، وَزَعَامَةٌ.
فَأَمَّا أَنْوَاعُهَا: فَنَوْعَانِ: حَمَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَحَمَالَةٌ بِالْمَالِ.
أَمَّا الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ: فَثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً تَشْبِيهًا بِالْعِدَّةِ وَهُوَ شَاذٌّ. وَالسُّنَّةُ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ هو قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» .
وَأَمَّا الْحَمَالَةُ بِالنَّفْسِ (وَهِيَ الَّتِي تُعْرَفُ بِضَمَانِ الْوَجْهِ) : فَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا شَرْعًا إِذَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْمَالِ. وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ، وَحُجَّتُهُمَا قَوْله تَعَالَى: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: ٧٩] . وَلِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِنَفْسٍ; فَأَشْبَهَتِ الْكَفَالَةَ فِي الْحُدُودِ. وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَهَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَة، وَأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ اللَّازِمُ عَنْهَا: فَجُمْهُورُ الْقَائِلِينَ بِحَمَالَةِ النَّفْسِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَمَّلَ عَنْهُ إِذَا مَاتَ لَمْ يَلْزَمِ الْكَفِيلَ بِالْوَجْهِ شَيْءٌ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ لُزُومُ ذَلِكَ. وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَقَالَ: إِنْ مَاتَ حَاضِرًا لَمْ يَلْزَمِ الْكَفِيلَ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَ غَائِبًا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ الَّتِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةً يُمْكِنُ الْحَمِيلَ فِيهَا إِحْضَارُهُ فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لَهُ فِي إِحْضَارِهِ (وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الْيَوْمَيْنِ إِلَى الثَّلَاثَةِ) ، فَفَرَّطَ: غَرِمَ، وَإِلَّا لَمْ يَغْرَمْ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا غَابَ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ مَا حُكْمُ الْحَمِيلِ بِالْوَجْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْضِرَهُ أَوْ يَغْرَمَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أنَّهُ يَحْبِسُ الْحَمِيلَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يَعْلَمَ مَوْتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute