للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْنِي: هَذِهِ الْوِلَايَةَ. فَلَا يُؤْمَنُ مَعَ عَدَمِ الْعَدَالَةِ أَنْ لَا يَخْتَارَ لَهَا الْكَفَاءَةَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْحَالَةَ الَّتِي بِهَا يَخْتَارُ الْأَوْلِيَاءُ لِمُوَلِّيَاتِهِمُ الْكُفْءَ غَيْرُ حَالَةِ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ خَوْفُ لُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ، وَهَذِهِ هِيَ مَوْجُودَةٌ بِالطَّبْعِ، وَتِلْكَ الْعَدَالَةُ الْأُخْرَى مُكْتَسَبَةٌ، وَلِنَقْصِ الْعَبْدِ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي وِلَايَتِهِ كَمَا يَدْخُلُ فِي عَدَالَتِهِ.

[الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ فِي أَصْنَافِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْوِلَايَةِ]

الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: وَأَمَّا أَصْنَافُ الْوِلَايَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا فَهِيَ نَسَبٌ، وَسُلْطَانٌ، وَمَوْلَى أَعْلَى وَأَسْفَلَ. وَمُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ عِنْدَ مَالِكٍ صِفَةٌ تَقْتَضِي الْوِلَايَةَ عَلَى الدَّنِيئَةِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيِّ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ الْوَصِيُّ وَلِيًّا، وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ صِفَةُ الْوِلَايَةِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَنَابَ فِيهَا؟ أَمْ لَيْسَ يُمْكِنُ ذَلِكَ؟

وَلِهَذَا السَّبَبِ بِعَيْنِهِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِهَا إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ وَكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَكَالَةَ تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْتِيبِ الْوِلَايَةِ مِنَ النَّسَبِ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالتَّعْصِيبِ إِلَّا الِابْنَ، فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ عَصَبَةً كَانَ أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ، وَالْأَبْنَاءُ عِنْدَهُ أَوْلَى وَإِنْ سَفَلُوا. ثُمَّ الْآبَاءُ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأَبِ فَقَطْ، ثُمَّ الْأَجْدَادُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَوْا.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: الْجَدُّ وَأَبُوهُ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ، وَابْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَصْلٍ، ثُمَّ الْعُمُومَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِخْوَةِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ الْمَوْلَى، ثُمَّ السُّلْطَانُ. وَالْمَوْلَى الْأَعْلَى عِنْدَهُ أَحَقُّ مِنَ الْأَسْفَلِ، وَالْوَصِيُّ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ وَلِيِّ النَّسَبِ، أَعْنِي: وَصِيَّ الْأَبِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَنْ هُوَ أَوْلَى: وَصِيُّ الْأَبِ؟ أَوْ وَلِيُّ النَّسَبِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْوَصِيُّ أَوْلَى، مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: الْوَلِيُّ أَوْلَى. وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي وِلَايَةِ الْبُنُوَّةِ فَلَمْ يُجِزْهَا أَصْلًا، وَفِي تَقْدِيمِ الْإِخْوَةِ عَلَى الْجَدِّ، فَقَالَ: لَا وِلَايَةَ لِلِابْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنَ الِابْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ أَيْضًا: الْجَدُّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةَ. وَالشَّافِعِيُّ اعْتَبَرَ التَّعْصِيبَ، أَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا، أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوِ السُّلْطَانِ ".

وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ مَالِكٌ فِي الِابْنِ؛ لِحَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ابْنَهَا أَنْ يُنْكِحَهَا إِيَّاهُ» . وَلِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا، أَعْنِي: مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ - عَلَى أَنَّ الِابْنَ يَرِثُ الْوَلَاءَ الْوَاجِبَ لِلْأُمِّ، وَالْوَلَاءُ عِنْدَهُمْ لِلْعَصَبَةِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْجَدِّ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ هُوَ أَقْرَبُ هَلِ الْجَدُّ؟ أَوِ الْأَخُ؟ . وَيَتَعَلَّقُ بِالتَّرْتِيبِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مَشْهُورَةٍ:

أَحَدُهَا: إِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مَعَ حُضُورِ الْأَقْرَبِ.

وَالثَّانِيَةُ: إِذَا غَابَ الْأَقْرَبُ هَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إِلَى الْأَبْعَدِ؟ أَوْ إِلَى السُّلْطَانِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>