للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا فِي مَحِلِّهَا؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَامَهَا فِي أَيَّامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ، أَوْ صَامَهَا فِي أَيَّامِ مِنًى؛ فَأَجَازَ مَالِكٌ صِيَامَهَا فِي أَيَّامِ مِنًى، وَمَنْعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: إِذَا فَاتَتْهُ الْأَيَّامُ الْأُولَى وَجَبَ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ. وَمَنَعَهُ مَالِكٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْحَجِّ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَإِنِ انْطَلَقَ فَهَلْ مِنْ شَرْطِ الْكَفَّارَةِ أَلَّا تُجْزِئَ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ مُوجِبِهَا؟ فَمَنْ قَالَ: لَا تُجْزِي كَفَّارَةٌ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ مُوجِبِهَا - قَالَ: لَا يُجْزِي الصَّوْمُ إِلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ، وَمَنْ قَاسَهَا عَلَى كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ قَالَ: يُجْزِي.

وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ إِذَا صَامَ سَبْعَةَ الْأَيَّامَ فِي أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا صَامَهَا فِي الطَّرِيقِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: يُجْزِي الصَّوْمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِي.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] فَإِنَّ اسْمَ الرَّاجِعِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَنْ فَرَغَ مِنَ الرُّجُوعِ، وَعَلَى مَنْ هُوَ فِي الرُّجُوعِ نَفْسِهِ. فَهَذِهِ هِيَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي تَثْبُتْ بِالسَّمْعِ، وَهِيَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِيهِ إِمَّا بِفَوْتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَإِمَّا مِنْ قِبَلِ غَلَطِهِ فِي الزَّمَانِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ، أَوْ إِتْيَانِهِ فِي الْحَجِّ فِعْلًا مُفْسِدًا لَهُ - فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إِذَا كَانَ حَجًّا وَاجِبًا. وَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ مَعَ الْقَضَاءِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَمْ لَا؟ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ؛ لِكَوْنِ النُّقْصَانِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ مُشْعِرًا بِوُجُوبِ الْهَدْيِ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: لَا هَدْيَ أَصْلًا، وَلَا قَضَاءَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَجٍّ وَاجِبٍ. وَمِمَّا يَخُصُّ الْحَجَّ الْفَاسِدَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهِ الْمُفْسِدُ لَهُ، وَلَا يَقْطَعُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: هُوَ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] . فَالْجُمْهُورُ عَمَّمُوا، وَالْمُخَالِفُونَ خَصَّصُوا قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهَا الْمُفْسِدَاتُ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلْحَجِّ إِمَّا مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَتَرْكُ الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ - عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ رُكْنٌ مِمَّا لَيْسَ بِرُكْنٍ -، وَإِمَّا مِنَ التُّرُوكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا؛ فَالْجِمَاعُ وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي إِذَا وَقَعَ فِيهِ الْجِمَاعُ كَانَ مُفْسِدًا لِلْحَجِّ.

[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

فَأَمَّا إِجْمَاعُهُمْ عَلَى إِفْسَادِ الْجِمَاعِ لِلْحَجِّ فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَطِئَ مِنَ الْمُعْتَمِرِينَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى.

وَاخْتَلَفُوا فِي فَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>