للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرِهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّهَا لِمَنْ تَزَوَّجَهَا، وَقَدْ قِيلَ إِن هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَطْ.

وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا الْمَرْأَةُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِذَا كَانَتِ الرَّجْعَةُ صَحِيحَةً كَانَ زَوَاجُ الثَّانِي فَاسِدًا، فَإِنَّ نِكَاحَ الْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إِبْطَالِ الرَّجْعَةِ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا اثْنَانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَمَنْ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» .

[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الِارْتِجَاعِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ]

ِ. - وَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ: إِمَّا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ: فَذَلِكَ يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْمُخْتَلِعَةِ بِاخْتِلَافٍ. وَهَلْ يَقَعُ أَيْضًا دُونَ عِوَضٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَحُكْمُ الرَّجْعَةِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ حُكْمُ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ - أَعْنِي: فِي اشْتِرَاطِ الصَّدَاقِ وَالْوَلِيِّ وَالرِّضَا - إِلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا غَيْرُهُ، وَهَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْا مَنْعَ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ عِبَادَةً.

وَأَمَّا الْبَائِنَةُ بِالثَّلَاثِ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ كُلَّهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا بَعْدَ الْوَطْءِ، لِحَدِيثِ رَفَاعَةَ بْنِ سَمَوْءَلٍ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا، فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ رِفَاعَةُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» .

وَشَذَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . وَالنِّكَاحُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْعَقْدِ. وَكُلُّهُمْ قَالَ: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يُحِلُّهَا، إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، فَقَالَ: لَا تَحِلُّ إِلَّا بِوَطْءٍ بِإِنْزَالٍ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُفْسِدُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ وَيُحَصِّنُ الزَّوْجَيْنِ وَيُوجِبُ الصَّدَاقَ: هُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ إِلَّا الْوَطْءُ الْمُبَاحُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>