فِي غَيْرِ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ حَيْضٍ أَوِ اعْتِكَافٍ، وَلَا يُحِلُّ الذِّمِّيَّةَ عِنْدَهُمَا وَطْءُ زَوْجٍ ذِمِّيٍّ لِمُسْلِمٍ، وَلَا وَطْءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا. وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، فَقَالُوا: يُحِلُّ الْوَطْءُ وَإِنْ وَقَعَ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، أَوْ وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ. وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُرَاهِقِ عِنْدَهُمْ يُحِلُّ، وَيُحِلُّ وَطْءُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّةَ لِلْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ عِنْدَهُمْ، وَالْخَصِيُّ الَّذِي يَبْقَى لَهُ مَا يُغَيِّبُهُ فِي فَرْجٍ. وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كُلِّهِ آيِلٌ إِلَى: هَلْ يَتَنَاوَلُ اسْمُ النِّكَاحِ أَصْنَافَ الْوَطْءِ النَّاقِصِ أَمْ لَا يَتَنَاوَلُهُ؟
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ: - أَعْنِي: إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ -: فَقَالَ مَالِكٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ لَا تَحِلُّ بِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ إِرَادَةُ الْمَرْأَةِ التَّحْلِيلَ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ إِرَادَةُ الرَّجُلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: النِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ وَقَالُوا: هُوَ مُحَلِّلٌ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ - أَيْ: لَيْسَ يُحَلِّلُهَا -، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعقبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» فَلَعْنُهُ إِيَّاهُ كَلَعْنِهِ آكِلَ الرِّبَا وَشَارِبَ الْخَمْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَاسْمُ النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى النِّكَاحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الْآخَرُ: فَتَعَلَّقَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَهَذَا نَاكِحٌ، وَقَالُوا: وَلَيْسَ فِي تَحْرِيمِ قَصْدِ التَّحْلِيلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ صِحَّةَ مِلْكِ الْبُقْعَةِ أَوِ الْإِذْنَ مِنْ مَالِكِهَا فِي ذَلِكَ، قَالُوا: وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ النَّهْيُ عَلَى فَسَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرْ مَالِكٌ قَصْدَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوَافِقْهَا عَلَى قَصْدِهَا لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِهَا مَعْنًى، مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِيَدِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي: هَلْ يَهْدِمُ الزَّوْجُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَهْدِمُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَهْدِمُ - أَعْنِي: إِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ; ثُمَّ رَاجَعَهَا - هَلْ يُعْتَدُّ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَخُصُّ الثَّالِثَةَ بِالشَّرْعِ قَالَ: لَا يُهْدَمُ مَا دُونَ الثَّالِثَةِ عِنْدَهُ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ إِذَا هَدَمَ الثَّالِثَةَ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا قَالَ: يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute