فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَحْجِرْ عَلَيْهِ» . وَرُبَّمَا قَالُوا: الصِّغَرُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ بِالْمَالِ، بِدَلِيلِ تَأْثِيرِهِ فِي إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الصِّغَرُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ السَّفَهُ غَالِبًا، كَمَا يُوجَدُ فيه نَقْصُ الْعَقْلِ غَالِبًا; وَلِذَلِكَ جُعِلَ الْبُلُوغُ عَلَامَةَ وُجُوبِ التَّكْلِيفِ وَعَلَامَةَ الرُّشْدِ إِذْا كَانَا يُوجَدَانِ فِيهِ غَالِبًا (أَعْنِي: الْعَقْلَ وَالرُّشْدَ) ، وَكَمَا لَمْ يُعْتَبَرِ النَّادِرُ فِي التَّكْلِيفِ (أَعْنِي: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْبُلُوغِ عَاقِلًا فَيُكَلَّفُ; كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرِ النَّادِرُ فِي السَّفَهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْبُلُوغِ سَفِيهًا فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ رَشِيدًا. قَالُوا: وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] الْآيَةَ، لَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ بُيُوعِهَا وَإِبْطَالَهَا.
وَالْمَحْجُورُونَ عِنْدَ مَالِكٍ سِتَّةٌ: الصَّغِيرُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُفْلِسُ، وَالْمَرِيضُ، وَالزَّوْجَةُ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي بَابِهِ.
[الْبَابُ الثَّانِي مَتَّى يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَجْرِ وَمَتَى يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ وَبِأَيِّ شُرُوطٍ يَخْرُجُونَ]
الْبَابُ الثَّانِي.
مَتَّى يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَجْرِ، وَمَتَى يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ، وَبِأَيِّ شُرُوطٍ يَخْرُجُونَ؟
وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي وَقْتِ خُرُوجِ الصِّغَارِ مِنَ الْحَجْرِ، وَوَقْتِ خُرُوجِ السُّفَهَاءِ. فَنَقُولُ: إِنَّ الصِّغَارَ بِالْجُمْلَةِ صِنْفَانِ: ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِمَّا ذُو أَبٍ، وَإِمَّا ذُو وَصِيٍّ، وَإِمَّا مُهْمَلٌ، وَهُمُ الَّذِينَ يَبْلُغُونَ وَلَا وَصِيٌّ لَهُمْ وَلَا أَبٌ.
فَأَمَّا الذُّكُورُ الصِّغَارُ ذَوُو الْآبَاءِ: فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَجْرِ إِلَّا بِبُلُوغِ سِنِّ التَّكْلِيفِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الرُّشْدِ مَا هُوَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] . وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِنَاثِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الذُّكُورِ (أَعْنِي: بُلُوغَ الْمَحِيضِ، وَإِينَاسَ الرُّشْدِ) . وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ - حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا، وَيُؤْنَسَ رُشْدُهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ فِي هَذَا أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ، قِيلَ: إِنَّهَا فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا حَتَّى يَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ بَعْدَ دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، وَقِيلَ: حَتَّى يَمُرَّ بِهَا عَامَانِ، وَقِيلَ: حَتَّى تَمُرَّ بها سَبْعَةُ أَعْوَامٍ.
وَحُجَّةُ مَالِكٍ: أَنَّ إِينَاسَ الرُّشْدِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَّا بَعْدَ اخْتِبَارِ الرِّجَالِ. وَأَمَّا أَقَاوِيلُ أَصْحَابِهِ فَضَعِيفَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلنَّصِّ، وَالْقِيَاسِ: أَمَّا مُخَالَفَتُهَا للنَّصِّ: فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الرُّشْدَ. وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute