للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِ الْمُرْتَدَّ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِهَذَا الْأَثَرِ الثَّابِتِ، وَذَهَبَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمَسْرُوقٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ، وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِنِسَائِهِمْ، فَقَالُوا: كَمَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُنْكِحَهُمْ نِسَاءَنَا كَذَلِكَ الْإِرْثُ، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مُسْنَدًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَبَّهُوهُ أَيْضًا بِالْقِصَاصِ فِي الدِّمَاءِ الَّتِي لَا تَتَكَافَأُ.

وَأَمَّا مَالُ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُهُ قَرَابَتُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجُمْهُورُ الْكُوفِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، وَقِيَاسُهُمْ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ قَرَابَتَهُ أَوْلَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِسَبَبَيْنِ: بِالْإِسْلَامِ وَالْقَرَابَةِ، وَالْمُسْلِمُونَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَرُبَّمَا أَكَّدُوا بِمَا يَبْقَى لِمَا لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ حَتَّى يَمُوتَ فَكَانَتْ حَيَاتُهُ مُعْتَبَرَةً فِي بَقَاءِ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ لِمَالِهِ حُرْمَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ عَلَى الِارْتِدَادِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: يُؤْخَذُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ إِذَا تَابَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي أَيَّامِ الرِّدَّةِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى تَقُولُ: يُوقَفُ مَالُهُ ; لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً إِسْلَامِيَّةً، وَإِنَّمَا وُقِفَ رَجَاءَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ اسْتِيجَابَ الْمُسْلِمِينَ لِمَالِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْإِرْثِ.

وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالَتْ: مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا يَرْتَدُّ، وَأَظُنُّ أَنَّ أَشْهَبَ مِمَّنْ يَقُولُ بِذَلِكَ.

[تَوْرِيثُ الْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا]

وَأَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا. وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ لَا يَتَوَارَثُونَ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ: الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ يَتَوَارَثُونَ.

وَكَانَ شُرَيْحٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٌ يَجْعَلُونَ الْمِلَلَ الَّتِي لَا تَتَوَارَثُ ثَلَاثًا: النَّصَارَى وَالْيَهُودَ وَالصَّابِئِينَ مِلَّةً، وَالْمَجُوسَ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِلَّةً، وَالْإِسْلَامَ مِلَّةً. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَعُمْدَةُ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا رَوَى الثِّقَاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>