أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
فَحُجَّةُ مَنْ مَنَعَ التَّبْعِيضَ فِي الرَّدِّ: أَنَّ الْمَرْدُودَ يَرْجِعُ فِيهِ بِقِيمَةٍ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَبْقَى إِنَّمَا يَبْقَى بِقِيمَةٍ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهَا. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَوْ بُعِّضَتِ السِّلْعَةُ لَمْ يَشْتَرِ الْبَعْضَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أُقِيمَ بِهَا.
وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ رَأَى الرَّدَّ فِي الْبَعْضِ الْمَعِيبِ وَلَا بُدَّ: فَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، فَأُقِيمَ فِيهِ التَّقْوِيمُ وَالتَّقْدِيرُ مَقَامَ الرِّضَا قِيَاسًا عَلَى أَنَّ مَا فَاتَ فِي الْبَيْعِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْقِيمَةُ.
وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا هُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ، أَوْ غَيْرُ وَجْهِهَا؟ فَاسْتِحْسَانٌ مِنْهُ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعِيبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فِي الْمَبِيعِ فَلَيْسَ كَبِيرَ ضَرَرٍ فِي أَنْ لَا يُوَافِقَ الثَّمَنَ الَّذِي أُقِيمَ بِهِ إرَادَة الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعُ.
وَأَمَّا عِنْدَمَا يَكُونُ مَقْصُودًا، أَوْ جُلَّ الْمَبِيعِ فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ فِي ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ هَلْ يُعْتَبَرُ تَأْثِيرُ الْعَيْبِ فِي قِيمَةِ الْجَمِيعِ أَوْ فِي قِيمَةِ الْمَعِيبِ خَاصَّةً؟
وَأَمَّا تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَ أَوْ لَا يَقْبِضَ، فَإِنَّ الْقَبْضَ عِنْدَهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ تَمَامِ الْبَيْعِ، مَا لَمْ يُقْبَضِ الْمَبِيعُ فَضَمَانُهُ عِنْدَهُ مِنَ الْبَائِعِ، وَحُكْمُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
; وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي رَجُلَيْنِ يَبْتَاعَانِ شَيْئًا وَاحِدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِدَانِ بِهِ عَيْبًا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ، وَيَأْبَى الْآخَرُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ أَنْ يَرُدَّ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ.
فَمَنْ أَوْجَبَ الرَّدَّ شَبَّهَهُ بِالصَّفْقَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ; لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا عَاقِدَانِ; وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ شَبَّهَهُ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي فِيهَا تَبْعِيضَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ.
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ أَصْنَافِ التَّغَيُّرَاتِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَحُكْمِهَا]
الْفَصْلُ الرَّابِعُ.
فِي مَعْرِفَةِ أَصْنَافِ التَّغَيُّرَاتِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَحُكْمِهَا وَأَمَّا إِنْ تَغَيَّرَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ إِلَّا بَعْدَ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ: فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ يَخْتَلِفُ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِحَسَبِ التَّغيرِ:
فَأَمَّا إِنْ تَغَيَّرَ بِمَوْتٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ عِتْقٍ: فَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ فَوْتٌ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لَا يَرْجِعُ فِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِشَيْءٍ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ حُكْمُ مَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا. وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكِتَابَةِ.
وَأَمَّا تَغَيُّرُهُ فِي الْبَيْعِ: فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ:
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا بَاعَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَهُ فِي الْبَيْعِ تَفْصِيلٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ، وَلَا يَخْلُو أَيْضًا أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مُدَلِّسًا رجع الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي فِي الثَّمَنِ وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعَانِ وَيَعُودُ الْمَبِيعُ إِلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ.
فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ عِنْدِ بَائِعِهِ مِنْهُ:
فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.