للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ بِقِيمَةِ الثَّمَنِ، هَذَا إِذَا بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرْجِعُ إِذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ إِذَا فَاتَ بِالْبَيْعِ فَقَدْ أَخَذَ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يعْتَبرَ تَأْثِيرا بِالْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَلِذَلِكَ مَتَى قَامَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعَيْبٍ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: تَشْبِيهُهُ الْبَيْعَ بِالْعِتْقِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ عُثْمَانَ، وَأَشْهَبَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ الْمَبِيعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا الْإِمْسَاكُ، أَوِ الرَّدُّ لِلْجَمِيعِ، فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ أَخَذَ عِوَضَ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نَقَصَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ; لِأَنَّ هِبَتَهُ، أَوْ صَدَقَتَهُ تَفْوِيتٌ لِلْمِلْكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَرِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ طَلَبًا لِلْأَجْرِ، فَيَكُونُ رِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ الْعَيْبِ أَوْلَى وَأَحْرَى بِذَلِكَ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَاسَ الْهِبَةَ عَلَى الْعِتْقِ، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا فَاتَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ; لِأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ يَجِبُ لَهُ إِلَّا الرَّدُّ، أَوِ الْإِمْسَاكُ ; دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَيْبِ تَأْثِيرٌ فِي إِسْقَاطِ شَيْءٍ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَبُهَا الِاسْتِرْجَاعُ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ: فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ الْمَبِيعُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ زَمَانُ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ زَمَانًا بَعِيدًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى، وَالْهِبَةُ لِلثَّوَابِ عِنْدَ مَالِكٍ كَالْبَيْعِ فِي أَنَّهَا فَوْتٌ، فَهَذِهِ هِيَ الْأَحْوَالُ الَّتِي تَطْرَأُ عَلَى الْمَبِيعِ مِنَ الْعُقُودِ الْحَادِثَةِ فِيهَا وَأَحْكَامُهَا.

بَابٌ

فِي طَرْو النُّقْصَانِ. وَأَمَّا إِنْ طَرَأَ عَلَى الْمَبِيعِ نَقْصٌ: فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نقْصٌ فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الْبَدَنِ أَوْ فِي النَّفْسِ.

فَأَمَّا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ: فَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِإِجْمَاعٍ.

وَأَمَّا النُّقْصَانُ الْحَادِثُ فِي الْبَدَنِ: فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْقِيمَةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي لَمْ يَحْدُثْ، وَهَذَا نَصُّ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا النَّقْصُ الْحَادِثُ فِي الْبَدَنِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْقِيمَةِ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَّا بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ إِذَا أَبَى الْبَائِعُ مِنَ الرَّدِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ، وَيَرُدَّ مِقْدَارَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>