عَلَى تَصْدِيقِهِ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ فِي السَّلَمِ، وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَإِلَّا خِيفَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، كَأَنَّهُ إِنَّمَا صَدَقَهُ فِي الْكَيْلِ لِمَكَانِ أَنَّهُ أَنْظَرَهُ بِالثَّمَنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَكِيلَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ.
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَكِيلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَكِيلَهُ الْبَائِعُ لَهُ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الْبَيْعِ الْكَيْلُ فَكَذَلِكَ الْقَبْضُ. وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» .
وَاخْتَلَفُوا إِذَا هَلَكَ الطَّعَامُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْكَيْلِ، فَاخْتَلَفَا فِي الْكَيْلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ; لِأَنَّهُ قَدْ صَدَقَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ قَبْضِهِ إِيَّاهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ بِنَفْسِ تَصْدِيقه.
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي السَّلَمِ]
وَالْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّلَمِ إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوِ الْمَثْمُونِ، وَإِمَّا فِي جِنْسِهِمَا، وَإِمَّا فِي الْأَجَلِ، وَإِمَّا فِي مَكَانِ قَبْضِ المسلمِ.
فَأَمَّا اخْتِلَافُهُما فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ: فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِنْ أَتَى أَيْضًا بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُما فِي جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ: فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَسْلَمْتُ فِي تَمْرٍ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: فِي قَمْحٍ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُما فِي الْأَجَلِ: فَإِنْ كَانَ فِي حُلُولِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُسْلِمُ وَقْتَ إِبَّانِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَيَدَّعِيَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُما فِي مَوْضِعِ الْقَبْضِ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَنِ ادَّعَى مَوْضِعَ عَقْدِ السَّلَمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ. وَخَالَفَ سَحْنُونٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ وَإِنِ ادَّعَى الْقَبْضَ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُما فِي الثَّمَنِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.