يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْنَعُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّة، وَالثَّوْرِيُّ.
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ بِالْإِقَالَةِ قَدْ مَلَكَ رَأْسَ مَالِهِ، فَإِذَا مَلَكَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا أَحَبَّ، وَالظَّنُّ الرَّدِيءُ بِالْمُسْلِمِينَ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ فِيهِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ.
مَسْأَلَةٌ:
اخْتَلَفُوا إِذَا نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فِي السَّلَمِ فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أَقِلْنِي وَأَنْظِرْكَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ.
وَاعْتَلَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَمَّا حَلَّ لَهُ الطَّعَامُ عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَقيلَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى. وَقَوْمٌ اعْتَلُّوا لِمَنْعِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
وَالَّذِينَ رَأَوْهُ جَائِزًا رَأَوْا أَنَّهُ بَاب الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا صَفْقَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» .
مَسْأَلَةٌ:
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ إِلَى أَجَلٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَخْذُهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُرُوضِ الْمُؤَجَّلَةِ مِنَ السَّلَمِ، وَغَيْرِهِ: فَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ: إِنْ أَتَى بِهَا قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَلْزَم أَخْذُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ النضَارَةُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ كَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ النضَارَةُ كَالْفَوَاكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ.
وَأَمَّا إِذَا أَتَى بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ: يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ فِي قَطَائِفِ الشِّتَاءِ، فَيَأْتِي بِهَا فِي الصَّيْفِ، فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ قَبْضُ الْعُرُوضِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ إِلَى الْوَقْتِ الْمَضْرُوبِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَلِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْمُؤْنَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ، وَالدَّرَاهِمُ، إِذْ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا.
وَمَنْ لَمْ يُلْزِمْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَحُجَّتُهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعُرُوضِ إِنَّمَا كَانَ وَقْتَ الْأَجَلِ لَا غَيْرَهُ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ (أَعْنِي: بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ) فَشَبَّهَهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
مَسْأَلَةٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَسْلَمَ إِلَى آخَرَ أَوْ بَاعَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى مَكِيلَةٍ مَا فَأَخْبَرَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ الْمُشْتَرِيَ بِكَيْلِ الطَّعَامِ، هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ دُونَ أَنْ يَكِيلَهُ، وَأَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ