أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهِ الْقَبْضُ هُوَ الطَّعَامُ عَلَى مَا جَاءَ عَلَيْهِ النَّصُّ فِي الْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُسْلَمُ فِيهِ طَعَامًا فَأَخَذَ عِوَضَهُ الْمُسْلِمُ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ رَأْسَ مَالِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَرَضًا، وَالثَّمَنُ عَرَضًا مُخَالِفًا لَهُ فَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِذَا حَانَ الْأَجَلُ شَيْئًا مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْعَرَضِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَدْخُلُهُ إِمَّا سَلَفٌ، وَزِيَادَةٌ إِنْ كَانَ الْعَرَضُ الْمَأْخُوذُ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِمَّا ضَمَانٌ، وَسَلَفٌ إِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ طَعَامًا آخَرَ أَكْثَرَ، لَا مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي الْجِنْسِ، وَالْكَيْلِ، وَالصِّفَةِ فِيمَا حَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ جَازَ; لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْعُرُوضِ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ طَعَامًا مِنْ صِفَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَوْدَةً ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْبَدَلِ فِي الدَّنَانِيرِ. وَالْإِحْسَانُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ قَمْحٌ فَيَأْخُذَ بِمَكِيلَتِهِ شَعِيرًا، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ الْقَبْضُ; لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ.
وَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَيْنًا وَأَخَذَ الْمُسْلِمُ فِيهِ عَيْنًا مِنْ جِنْسِهِ جَازَ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَتَّهِمْهُ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ نَسِيئَةً إِذَا كَانَ مِثْلَهُ، أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أَخَذَ دَرَاهِمَ فِي دَنَانِيرَ لَمْ يَتَّهِمْهُ عَلَى الصَّرْفِ الْمُتَأَخِّرِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ فِيهِ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ صِنْفِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ.
وَأَمَّا بَيْعُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ: فَيَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ التَّبَايُعُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ طَعَامًا; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَأَمَّا الْإِقَالَةُ: فَمِنْ شَرْطِهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، فَإِنْ دَخَلَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ كَانَ بَيْعًا مِنَ الْبُيُوعِ، وَدَخَلَهَا مَا يَدْخُلُ الْبُيُوعَ (أَعْنِي: أَنَّهَا تَفْسَدُ عِنْدَهُ بِمَا يُفْسِدُ بُيُوعَ الْآجَالِ مِثْلُ أَنْ يَتَذَرَّعَ إِلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، أَوْ إِلَى: ضَعْ وَتَعَجَّلْ، أَوْ إِلَى بَيْعِ السَّلَمِ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) . مِثَالُ ذَلِكَ: فِي دُخُولِ بَيْعٍ، وَسَلَفٍ بِهِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ، فَأَقَالَهُ عَلَى أَنْ أَخَذَ الْبَعْضَ، وَأَقَالَ مِنَ الْبَعْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ التَّذَرُّعُ إِلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ; لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِتَحْرِيمِ بُيُوعِ الذَّرَائِعِ.
مَسْأَلَةٌ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشِّرَاءِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ: فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ أَصْلًا، وَرَأَى أَنَّ الْإِقَالَةَ ذَرِيعَةٌ إِلَى أَنْ يُجَوِّزَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، إِلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، إِذْ كَانَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ; وَمَالِكٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute