للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلُ فِي الْمُكَاتِبِ وَأَمَّا الْمَكَاتِبُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا صَحِيحَ الْمِلْكِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ صَحِيحَ الْجِسْمِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ أَمْ لَا؟ وَسَيَأْتِي هَذَا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَاتَبِ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ أَنْ يُكَاتَبَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْغُرَمَاءُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي ثَمَنِ كِتَابَتِهِ مِثْلُ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ.

وَأَمَّا كِتَابَةُ الْمَرِيضِ، فَإِنَّهَا عِنْدَهُ فِي الثُّلُثِ تُوقَفُ حَتَّى يَصِحَّ فَتَجُوزُ أَوْ يَمُوتَ فَتَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ كَالْعِتْقِ سَوَاءً، وَقَدْ قِيلَ: إِنْ حَابَى كَانَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُحَابِ سَعَى، فَإِنْ أَدَّى وَهُوَ فِي الْمَرَضِ عُتِقَ، وَتَجُوزُ عِنْدَهُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمَ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ عِنْدَهُ.

فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَرْكَانِ، أَعْنِي الْمُكَاتِبَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْكِتَابَةَ.

[أَحْكَامُ الْكِتَابَةِ]

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَكَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ الشُّرُوطُ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا مِنَ الَّتِي لَا تَجُوزُ. وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسُ الْأَحْكَامِ الْأُولَى فِي هَذَا الْعَقْدِ هُوَ أَنْ يُقَالَ: مَتَى يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ وَمَتَى يَعْجِزُ فَيَرِقُّ، وَكَيْفَ حَالُهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ أَوْ يَرِقَّ، وَمَنْ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ مِمَّنْ لَا يَدْخُلُ، وَتَمْيِيزُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَجْرِ الرِّقِّ مِمَّا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ.

فَلْنَبْدَأْ بِذِكْرِ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي فِي جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْخَمْسَةِ.

الْجِنْسُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا مَتَى يَخْرُجُ مِنَ الرِّقِّ؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الرِّقِّ إِذَا أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا عَجَزَ عَنِ الْبَعْضِ وَقَدْ أَدَّى الْبَعْضَ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ يَرِقُّ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْبَعْضِ. وَرُوِيَ عَنِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ سِوَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ إِنْ أَدَّى النِّصْفَ فَأَكْثَرَ.

وَالرَّابِعُ: إِنْ أَدَّى الثُّلُثَ وَإِلَّا فَهُوَ عَبْدٌ.

وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>