للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى النَّدْبِ قَالَ إِنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْنُونِ وَالْمَفْرُوضِ مِنَ الْأَفْعَالِ قَالَ: إِنَّ التَّرْتِيبَ الْوَاجِبَ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ قَالَ: إِنَّ الشُّرُوطَ الْوَاجِبَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الشُّرُوطِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُوَالَاةِ فِي أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ وَمَعَ الْقُدْرَةِ ; سَاقِطَةٌ مَعَ النِّسْيَانِ وَمَعَ الذِّكْرِ عِنْدَ الْعُذْرِ مَا لَمْ يَتَفَاحَشِ التَّفَاوُتُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَيْسَتْ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ.

وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي الْوَاوِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَفُ بِهَا الْأَشْيَاءُ الْمُتَرَاخِيَةُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ لِسُقُوطِ الْمُوَالَاةِ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ طَهُورِهِ وَيُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ إِلَى آخِرِ الطُّهْرِ ".

وَقَدْ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فِي الِاخْتِلَافِ فِي حَمْلِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّ النَّاسِيَ الْأَصْلُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، وَكَذَلِكَ الْعُذْرُ يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي التَّخْفِيفِ.

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النِّيَّةُ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ فِيمَا أَحْسَبُ.

فَهَذِهِ مَشْهُورَاتُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذَا الْبَابِ مَجْرَى الْأُصُولِ، وَهِيَ كَمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقَةٌ إِمَّا بِصِفَاتِ أَفْعَالِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ، وَإِمَّا بِتَحْدِيدِ مَوَاضِعِهَا، وَإِمَّا بِتَعْرِيفِ شُرُوطِهَا، وَأَرْكَانِهَا، وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ.

وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ إِذْ كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ.

[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

وَالْكَلَامُ الْمُحِيطُ بِأُصُولِهِ يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ: بِالنَّظَرِ فِي جَوَازِهِ، وَفِي تَحْدِيدِ مَحَلِّهِ، وَفِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَفِي صِفَتِهِ: (أَعْنِي: صِفَةَ الْمَحَلِّ) وَفِي تَوْقِيتِهِ، وَفِي شُرُوطِهِ، وَفِي نَوَاقِضِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>