وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ أَرْبَعَةٍ وَهُمُ: الْأَبُ وَالْجَدُّ أَوِ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا، وَالْبَنُونَ ذُكْرَانُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَبَنُو الْبَنِينَ وَإِنْ سَفُلُوا ذُكْرَانُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: ١٢] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ فَقَطْ. وَقَدْ قُرِئَ " وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ " وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا فِيمَا أَحْسَبُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ هِيَ فَقْدُ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ النَّسَبِ (أَعْنِي: الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ وَالْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ) .
[مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ]
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ فَقَطْ يَرِثُونَ فِي الْكَلَالَةِ أَيْضًا. أَمَّا الْأُخْتُ إِذَا انْفَرَدَتْ فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلْثَانِ، كَالْحَالِ فِي الْبَنَاتِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَحَالِ الْبَنِينَ مَعَ الْبَنَاتِ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: ١٧٦] إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ هَاهُنَا فِي أَشْيَاءَ وَاتَّفَقُوا مِنْهَا فِي أَشْيَاءَ يَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا، وَلَا مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَمِنْهَا:
أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْبِنْتِ أَوِ الْبَنَاتِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُنَّ عُصْبَةٌ يُعْطَوْنَ مَا فَضَلَ عَنِ الْبَنَاتِ، وَذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْأُخْتَ لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ " إِنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» . وَأَيْضًا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْبَنَاتِ، فَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: ١٧٦] فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْأُخْتِ شَيْئًا إِلَّا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا اسْمَ الْوَلَدِ هَاهُنَا عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْأُخُوَّةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَنِ الْمِيرَاثِ قِيَاسًا عَلَى بَنِي الْأَبْنَاءِ مَعَ بَنِي الصُّلْبِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ مِنْ رِوَايَةِ الْآحَادِ الْعُدُولِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ» .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ