وَبِالْجُمْلَةِ، فَأُصُولُ الشَّرْعِ تَشْهَدُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرِ، ولَكِنْ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَثْنَى الصَّلَاةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَعْمَالِ الْقُرَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَتَّى يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَبَعْضٌ اسْتَحْسَنَ الْبَدْءَ فِي أَوَّلِ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْمُسَارَعَةِ، وَبَعْضٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: حَتَّى يَرَوُا الْإِمَامَ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا كَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا شَرْعٌ مَسْمُوعٌ إِلَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» فَإِنْ صَحَّ هَذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا الْمَعْفُوِّ عَنْهُ (أَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَرْعٌ) وَأَنَّهُ مَتَى قَامَ كُلٌّ حَسَنٌ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الدَّاخِلَ وَرَاءَ الْإِمَامِ إِذَا خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْهَا إِنْ تَمَادَى حَتَّى يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَدُبُّ رَاكِعًا، وَكَرِهَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ، وَالْوَاحِدِ، فَكَرِهَهُ لِلْوَاحِدِ، وَأَجَازَهُ لِلْجَمَاعَةِ.
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَرَكَعَ، ثُمَّ سَعَى إِلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنِ السَّاعِي؟ قَالَ: أَبُو بَكْرَةَ أَنَا، قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» .
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]
في الْفَصْل الرَّابِع: فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَفِي جُلُوسِهِ إِذَا صَلَّى جَالِسًا لِمَرَضٍ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ إِمَامَةَ الْجَالِسِ.
; وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنَّ طَائِفَةً ذَهَبَتْ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ، وَيَقُولُ الْمَأْمُومُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ يَقُولَانِ جَمِيعًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأنَّ الْمَأْمُومَ يَتْبَعُ فِيهِمَا مَعًا الْإِمَامَ كَسَائِرِ التَّكْبِيرِ سَوَاءً.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ وَالْإِمَامَ يَقُولَانِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُنْفَرِدِ (أَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُهُمَا جَمِيعًا) .