للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

وَالْمَذْكُورُ فِي الشَّرْعِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ اتُّفِقَ عَلَى جَوَازِ تَذْكِيَتِهِ، وَصِنْفٌ اتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ ذَكَاتِهِ، وَصِنْفٌ اخْتُلِفَ فِيهِ.

فَأَمَّا الصِّنْفُ الَّذِي اتُّفِقَ عَلَى ذَكَاتِهِ: فَمَنْ جَمَعَ خَمْسَةَ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامَ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ وَتَرْكَ تَضْيِيعِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الَّذِي اتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ تَذْكِيَتِهِ: فَالْمُشْرِكُونَ عَبْدَةُ الْأَصْنَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] ، وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣] .

وَأَمَّا الَّذِينَ اخْتُلِفَ فِيهِمْ: فَأَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهَا عَشَرَةٌ: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَالْمَجُوسُ، وَالصَّابِئُونَ، وَالْمَرْأَةُ، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّكْرَانُ، وَالَّذِي يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ، وَالسَّارِقُ، وَالْغَاصِبُ.

فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ: فَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى جَوَازِ ذَبَائِحِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] وَمُخْتَلِفُونَ فِي التَّفْصِيلِ. فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَلَا مُرْتَدِّينَ، وَذَبَحُوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَعُلِمَ أَنَّهُمْ سَمَّوُا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِمْ، وَكَانَتِ الذَّبِيحَةُ مِمَّا لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا حَرَّمُوهَا هُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْهَا مَا عَدَا الشَّحْمَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مُقَابِلَاتِ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَعْنِي: إِذَا ذَبَحُوا لِمُسْلِمٍ بِاسْتِنَابَتِهِ، أَوْ كَانُوا مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ أَوْ مُرْتَدِّينَ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ سَمَّوُا اللَّهَ، أَوْ جُهِلَ مَقْصُودُ ذَبْحِهِمْ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا غَيْرَ اللَّهِ مِمَّا يَذْبَحُونَهُ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ، أَوْ كَانَتِ الذَّبِيحَةُ مِمَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْرَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: ١٤٦] أَوْ كَانَتْ مِمَّا حَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ الذَّبَائِحِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الْيَهُودِ فَاسِدَةً مِنْ قِبَلِ خِلْقَةٍ إِلَهِيَّةٍ) . وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الشُّحُومِ.

فَأَمَّا إِذَا ذَبَحُوا بِاسْتِنَابَةِ مُسْلِمٍ: فَقِيلَ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ: يَجُوزُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ.

وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: هَلْ مِنْ شَرْطِ ذَبْحِ الْمُسْلِمِ اعْتِقَادُ تَحْلِيلِ الذَّبِيحَةِ عَلَى الشُّرُوطِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ لِمُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وُجُودُ هَذِهِ النِّيَّةِ.

وَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَغَلَّبَ عُمُومَ الْكِتَابِ أَعْنِي: قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] قَالَ: يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ نِيَّةَ الْمُسْتَنِيبِ تُجْزِي وَهُوَ أَصْلُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ ذَبَائِحُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَالْمُرْتَدِّينَ: فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ ذَبَائِحَ النَّصَارَى مِنَ الْعَرَبِ حُكْمُهَا حُكْمُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجْزِ ذَبَائِحَهُمْ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>