خَصَّصَ الْعُمُومَ الْبَاقِيَ بِالْقِيَاسِ ; أَوْ لَمْ يَرَ الْبَاقِيَ مِنَ الْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ عُمُومًا قَالَ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ. وَمَنْ رَجَّحَ بَاقِيَ الْعُمُومِ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْقِيَاسِ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهُنَا أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ لِاخْتِلَافِهِمْ: وَهُوَ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ لِلْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] يُوجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْغَيْرِ مُؤْمِنَةٍ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى الْحُرَّةِ يُوجِبُ ذَلِكَ، [وَالْقِيَاسُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ يَجُوزُ فِيهِ النِّكَاحُ بِالتَّزْوِيجِ، وَيَجُوزُ فِيهِ النِّكَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَصْلُهُ الْمُسْلِمَاتُ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ بِالتَّزْوِيجِ إِلَّا بِشَرْطٍ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُجَوَّزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالتَّزْوِيجِ] . وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى إِحْلَالِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ السَّبْيَ يُحِلُّ الْمَسْبِيَّةَ الْغَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُتَزَوِّجَةِ هَلْ يَهْدِمُ السَّبْيُ نِكَاحَهَا ; وَإِنْ هَدَمَ فَمَتَى يَهْدِمُ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ سُبِيَا مَعًا - أَعْنِي: الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ - لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا، وَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ السَّبْيُ يَهْدِمُ سُبِيَا مَعًا أَوْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّبْيَ لَا يَهْدِمُ النِّكَاحَ أَصْلًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَهْدِمُ بِإِطْلَاقٍ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يَهْدِمُ أَوْ لَا يَهْدِمُ: هُوَ تَرَدُّدُ الْمُسْتَرَقِّينَ الَّذِينَ أَمِنُوا مِنَ الْقَتْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ الذِّمِّيِّينَ أَهْلِ الْعَهْدِ ; وَبَيْنَ الْكَافِرَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، أَوِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ كَافِرٍ، وَأَمَّا تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يُسْبَيَا مَعًا، وَبَيْنَ أَنْ يُسْبَى أَحَدُهُمَا فَلِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ عِنْدَهُ فِي الْإِحْلَالِ هُوَ اخْتِلَافُ الدَّارِ بِهِمَا لَا الرِّقُّ، وَالْمُؤَثِّرَ فِي الْإِحْلَالِ عِنْدَ غَيْرِهِ هُوَ الرِّقُّ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ هَلْ هُوَ الرِّقُّ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ مَعَ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ؟ وَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلزَّوْجِيَّةِ هَا هُنَا حُرْمَةٌ، لِأَنَّ مَحَلَّ الرِّقِّ. وَهُوَ الْكُفْرُ سَبَبُ الْإِحْلَالِ: وَأَمَّا تَشْبِيهُهَا بِالذِّمِّيَّةِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إِنَّمَا أَعْطَى الْجِزْيَةَ بِشَرْطِ أَنْ يُقَرَّ عَلَى دِينِهِ فَضْلًا عَنْ نِكَاحِهِ.
[الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي مَانِعِ الْإِحْرَامِ]
ِ. - وَاخْتَلَفُوا فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، فَإِنْ فَعَلَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ النَّقْلِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتُ النَّقْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute