للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الذَّكَاةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالصَّيْدِ وَشُرُوطِهَا]

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالصَّيْدِ هِيَ الْعَقْرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَإِذَا اعْتَبَرْتَ أُصُولَهَا الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ سِوَى الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْآلَةِ وَفِي الصَّائِدِ وَجَدْتَهَا ثَمَانِيَةَ شُرُوطٍ: اثْنَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي الذَّكَاتَيْنِ، أَعْنِي: ذَكَاةَ الْمَصِيدِ وَغَيْرِ الْمُصِيدِ، وَهِيَ: النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ.

وَسِتَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَذِهِ الذَّكَاةِ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَكُنِ الْآلَةُ أَوِ الْجَارِحُ الَّذِي أَصَابَ الصَّيْدَ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُذَكَّى بِذَكَاةِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ مِمَّا أَصَابَهُ مِنَ الْجَارِحِ أَوْ مِنَ الضَّرْبِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَلَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُسْتَحَبُّ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ الصَّيْدُ مَبْدَؤُهُ مِنَ الصَّائِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، أَعْنِي: لَا مِنَ الْآلَةِ كَالْحَالِ فِي الْحِبَالَةِ، وَلَا مِنَ الْجَارِحِ كَالْحَالِ فِيمَا يُصِيبُ الْكَلْبُ الَّذِي يَنْشَلِي مِنْ ذَاتِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْعَقْرِ مَنْ لَيْسَ عَقْرُهُ ذَكَاةً.

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَشُكَّ فِي عَيْنِ الصَّيْدِ الَّذِي أَصَابَهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْ عَيْنِهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الصَّيْدُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي وَقْتِ الْإِرْسَالِ عَلَيْهِ.

وَالسَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ رُعْبٍ مِنَ الْجَارِحِ أَوْ بِصَدْمَةٍ مِنْهُ.

فَهَذِهِ هِيَ أُصُولُ الشُّرُوطِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ اشْتِرَاطِهَا أَوْ لَا اشْتِرَاطِهَا عَرَضَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَرُبَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي وُجُودِهَا فِي نَازِلَةٍ نَازِلَةٍ، كَاتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ أَنْ يَكُونَ مَبْدَؤُهُ مِنَ الصَّائِدِ. وَاخْتِلَافِهِمْ إِذَا أَفْلَتَ الْجَارِحُ مِنْ يَدِهِ أَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَغْرَاهُ ; هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ الصَّيْدُ؟ أَمْ لَا؟ لِتَرَدُّدِ هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ لَهَا هَذَا الشَّرْطُ أَوْ لَا يُوجَدَ.

كَاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ إِذَا أُدْرِكَ غَيْرُ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ أَنْ يُذَكَّى إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ. وَاخْتِلَافِهِمْ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّصَهُ حَيًّا فَيَمُوتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَ هَذَا، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَرَآهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ، أَعْنِي: إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنَ الْجَارِحِ حَتَّى مَاتَ؛ لِتَرَدُّدِ هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: أَدْرَكَهُ غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ، وَفِي غَيْرِ يَدِ الْجَارِحِ، فَأَشْبَهَ الْمُفَرِّطَ أَوْ لَمْ يُشْبِهْهُ فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ.

وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ أُصُولَ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الصَّيْدِ مَعَ سَائِرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآلَةِ وَالصَّائِدِ نَفْسِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي يَجِبُ أَنْ يُذْكَرَ مِنْهَا مَا اتَّفَقُوا مِنْهُ عَلَيْهِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَأَسْبَابُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا مِنْ مَشْهُورِ مَسَائِلِهِمْ. فَنَقُولُ: أَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>