[كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ]
ِ: وَجُلُّ النَّظَرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ هُوَ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَتَحْصِيلُ أُصُولِ أحكام هَذَا الْكِتَابِ: أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ إِنْسَانٍ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الشَّرْعِ لِمُسْتَحِقِّهَا إِذَا صَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الَّذِي اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ بِشِرَاءٍ، أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَقَلَّهُ أَوْ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ، ثُمَّ إِذَا اسْتُحِقَّ مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ عِنْدَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ يَكُونَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، ثُمَّ لَا يَخْلُو أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ قَدِ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ أَوْ مَثْمُونٍ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ اسْتُحِقَّ مِنْهُ أَقَلُّهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِقِيمَةِ مَا اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجملةِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ اسْتُحِقَّ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ وَرَجَعَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِالْمَثْمُونِ رَجَعَ بِالْمَثْمُونِ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا يُوجِبُ اخْتِلَافَ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُسْتَحَقُّ قَدْ بِيعَ ; فَإِنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ أَوْ يَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ، فَهَذَا حُكْمُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ يَدِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ.
فَإِنْ تَغَيَّرَ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ تَغَيُّرٌ بِزِيَادَةٍ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ مِنْ قِبَلِ الَّذِي اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ الشَّيْءُ، أَوْ بِزِيَادَةٍ مِنْ ذَاتِ الشَّيْءِ.
فَأَمَّا الزِّيَادَةُ مِنْ ذَاتِ الشَّيْءِ فَيَأْخُذُهَا الْمُسْتَحِقُّ، مِثْلَ أَنْ تَسْمَنَ الْجَارِيَةُ أَوْ يَكْبَرَ الْغُلَامُ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، فَمِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ فَبَنَى فِيهَا فَتُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُدْفَعَ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَيَأْخُذَ مَا اسْتَحَقَّهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ قِيمَةَ مَا اسْتَحَقَّ أَوْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ، هَذَا بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا بَنَى أَوْ غَرَسَ، وَهُوَ قَضَاءُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ وِلَادَةً مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً فَيُولِدَهَا ثُمَّ تُسْتَحَقَّ مِنْهُ أَوْ يُزَوِّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَخْرُجَ أَمَةٌ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَعْيَانَ الْوَلَدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ قِيمَتِهِمْ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا، وَقِيلَ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنِكَاحٍ فَاسْتُحِقَّتْ بِعُبُودِيَّةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَرْجِعَ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute