قِيمَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ ; لِأَنَّ الْغَرَرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْوَلَدِ.
وَأَمَّا غَلَّةُ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ ضَامِنًا بِشُبْهَةِ مِلْكٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ (وَأَعْنِي بِالضَّمَانِ: أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ خَسَارَتِهِ إِذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ) ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ ضَامِنٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فَيَطْرَأَ عَلَيْهِ وَارِثٌ آخَرُ فَيَسْتَحِقَّ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ ; فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْغَلَّةَ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ غَيْرَ ضَامِنٍ إِلَّا أَنَّهُ ادَّعَى فِي ذَلِكَ ثَمَنًا مِثْلَ الْعَبْدِ يُسْتَحَقُّ بِحُرِّيَّةٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ إِذَا لَمْ يَجِدْ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ، وَيُضَمَّنُ إِذَا وَجَدَ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ.
وَأَمَّا مِنْ أَيِّ وَقْتٍ تَصِحُّ الْغَلَّةُ لِلْمُسْتَحِقِّ؟ فَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ تَوْقِيفِهِ.
وَإِذَا قُلْنَا إِنَّ الْغَلَّةَ تَجِبُ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا كَانَتْ أُصُولًا فِيهَا ثَمَرَةٌ فَأَدْرَكَ هَذَا الْوَقْتَ الثَّمَرُ وَلَمْ يُقْطَفْ بَعْدَهُ، فَقِيلَ إِنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ مَا لَمْ تَيْبَسْ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَطِبْ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا سَقَى وَعَالَجَ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدَيْهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ اشْتَرَى الْأُصُولَ قَبْلَ الْإِبَّارِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْإِبَّارِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ جُذَّتْ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: هِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ مَا لَمْ تُجَذَّ. وَالْأَرْضُ إِذَا اسْتُحِقَّتْ، فَالْكِرَاءُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْتَحِقِّ إِنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي إِبَّانِ زَرِيعَةِ الْأَرْضِ. وَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الْإِبَّانُ فَقَدْ وَجَبَ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ تَغَيَّر بِنُقْصَانٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدَيْهِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَخَذَ لَهُ ثَمَنًا مِثْلَ أَنْ يَهْدِمَ الدَّارَ فَيَبِيعَ نَقْضَهَا ثُمَّ يَسْتَحِقَّهَا مِنْ يَدِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مَا بَاعَ مِنَ النَّقْضِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلْتُهُ فِيهِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَهِيَ أُصُولُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَكِنْ يَجِيءُ عَلَى أُصُولِ الْغَيْرِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُشْتَرًى بِعَرَضٍ، وَكَانَ الْعَرَضُ قَدْ ذَهَبَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِعَرَضٍ مِثْلِهِ لَا بِقِيمَتِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرَوْنَ فِي جَمِيعِ الْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلَ، وَكَذَلِكَ يَجِيءُ عَلَى أُصُولِ الْغَيْرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي إِذَا اسْتُحِقَّ مِنْهُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْبَاقِي وَلَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ بَيْعٌ وَلَا وَقْعَ بِهِ تَرَاضٍ. كَمُلَ كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ بِحَمْدِ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute