للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَهُوَ سَهْمٌ مَشْهُورٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ فَرَسٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ) . وَرُوِيَ أَنَّ صَفِيَّةَ كَانَتْ مِنَ الصَّفِيِّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّفِيَّ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَجْرِي مَجْرَى سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

ِ أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ إِذَا خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجِينَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِيمَنْ يَجِبُ لَهُ سَهْمُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمَتَى يَجِبُ، وَكَمْ يَجِبُ، وَفِيمَا يَجُوزُ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ؟

فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلَّذِينِ غَنِمُوهَا، خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا خَرَجَتِ السَّرِيَّةُ، أَوِ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ - فَكُلُّ مَا سَاقَ نَفْلٌ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ الْغَانِمُ.

فَالْجُمْهُورُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَهَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمُ اعْتَمَدُوا صُورَةَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ مِنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ السَّرَايَا إِنَّمَا كَانَتْ تَخْرُجُ عَنْ إِذْنهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ إِذْنَ الْإِمَامَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا مَنْ لَهُ السَّهْمُ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى الذُّكْرَانِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَضْدَادِهِمْ أَعْنِي: فِي النِّسَاءِ، وَالْعَبِيدِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ. فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لِلْعَبِيدِ، وَلَا لِلنِّسَاءِ حَظٌّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُرْضَخُ، وَلَا لَهُمْ حَظُّ الْغَانِمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ لَهُمْ حَظٌّ وَاحِدٌ مِنَ الْغَانِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقْسَمُ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُطِيقَ الْقِتَالَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٌ. وَمِنْهُ مَنْ قَالَ: يُرْضَخُ لَهُ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَبِيدِ هُوَ هَلْ عُمُومُ الْخِطَابِ يَتَنَاوَلُ الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ مَعًا؟ أَمِ الْأَحْرَارَ فَقَطْ دُونَ الْعَبِيدِ؟ وَأَيْضًا فَعَمَلُ الصَّحَابَةِ مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ انْتَشَرَ فِيهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْغِلْمَانَ لَا سَهْمَ لَهُمْ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>