[الْبَابُ السَّادِسُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]
الْبَابُ السَّادِسُ
فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ كُسُوفِ الشَّمْسِ سُنَّةٌ، وَأَنَّهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا، وَفِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَفِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا، وَهَلْ مِنْ شُرُوطِهَا الْخُطْبَةُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ كُسُوفُ الْقَمَرِ فِي ذَلِكَ كَكُسُوفِ الشَّمْسِ؟ فَفِي ذَلِكَ خَمْسُ مَسَائِلَ أَصُولٌ فِي هَذَا الْبَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى ; ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَحْمَدُ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ لِبَعْضِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ من الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ» . وَلِمَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَعْنِي: مِنْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ -. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَرَجَّحَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ قِبَلِ النَّقْلِ قَالَ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَةٍ.
وَوَرَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهِيَ كُلُّهَا آثَارٌ مَشْهُورَةٌ صِحَاحٌ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا حَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُسُوفِ نَحْوَ صَلَاتِكُمْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute