فَمَنْ رَجَّحَ هَذِهِ الْآثَارَ لِكَثْرَتِهَا وَمُوَافَقَتِهَا لِلْقِيَاسِ (أَعْنِي: مُوَافَقَتَهَا لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ) قَالَ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ. قَالَ الْقَاضِي: خَرَّجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ سَمُرَةَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا صَارَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِلَى مَا وَرَدَ عَنْ سَلَفِهِ، وَلِذَلِكَ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الطَّبَرِيُّ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ «فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَسِتُّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ» لَكِنْ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَمُؤْتَلِفٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ لِتَجَلِّي الْكُسُوفِ، فَالزِّيَادَةُ فِي الرُّكُوعِ إِنَّمَا تَقَعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ التَّجَلِّي فِي الْكُسُوفَاتِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا.
وَرُوِيَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْظُرُ إِلَى الشَّمْسِ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَجَلَّتْ سَجَدَ وَأَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَةً ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ رَكْعَةً ثَانِيَةً، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ; فَإِنْ كَانَتْ تَجَلَّتْ سَجَدَ وَأَضَافَ إِلَيْهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ ثَالِثَةً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهَكَذَا حَتَّى تتجلى.
وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: لَا يَتَعَدَّى بِذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: الِاخْتِيَارُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثَابِتٌ، وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي إِنْ شَاءَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثَةً، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى كُسُوفَاتٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهَا: إِنَّهَا وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ. وَأَمَّا عَشْرُ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَطْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ; وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ فِيهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا سِرٌّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وأحمد وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute