وَدَلِيلُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ؛ وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى شَرْطِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ إِذَا مَلَكَ، وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَأَمَّا حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ فَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ، وَلَا وَفَاءَ بِنَذْرٍ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالظِّهَارُ شَبِيهٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّعْمِيمِ وَالتَّعْيِينِ، فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ التَّعْمِيمَ فِي الظِّهَارِ مِنْ بَابِ الْحَرَجِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] .
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي: هَلْ تُظَاهِرُ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ؟ فَعَنِ الْعُلَمَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَشْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْهَا ظِهَارٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَلَيْهَا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. وَمُعْتَمَدُ الْجُمْهُورِ تَشْبِيهُ الظِّهَارِ بِالطَّلَاقِ، وَمَنْ أَلْزَمَ الْمَرْأَةَ الظِّهَارَ فَتَشْبِيهًا لِلظِّهَارِ بِالْيَمِينِ; وَمَنْ فَرَّقَ فَلِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَقَلَّ اللَّازِمِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُظَاهِرِ]
ِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَهُ مِنْ مُلَامَسَةٍ، وَوَطْءٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَنَظَرِ اللَّذَّةِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ مِنَ الْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَاللَّمْسِ، وَالتَّقْبِيلِ، وَالنَّظَرِ لِلَذَّةٍ، مَا عَدَا وَجْهَهَا، وَكَفَّيْهَا، وَيَدَيْهَا مِنْ سَائِرِ بَدَنِهَا، وَمَحَاسِنِهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ النَّظَرَ لِلْفَرْجِ فَقَطْ; وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا يُحَرِّمُ الظِّهَارُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ فَقَطْ، الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا مَا عَدَا ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَدَلِيلُ مَالِكٍ: قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] ، وَظَاهِرُ لَفْظِ التَّمَاسِّ يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لَفْظٌ حَرُمَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ لَفْظَ الطَّلَاقِ.
وَدَلِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَلَّتْ عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَا فَوْقَ الْجِمَاعِ، لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى مَا فَوْقَ الْجِمَاعِ، وَإِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى الْجِمَاعِ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ الْمَجَازِيَّةُ، لَكِنْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْجِمَاعِ، فَانْتَفَتِ الدَّلَالَةُ