وَأَمَّا مَنْعُ النَّسِيئَةِ فِيهَا فَثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ مَا حَدِيثٍ، أَشْهَرُهَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . فَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُبَادَةَ مَنْعُ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَتَضَمَّنَ أَيْضًا حَدِيثُ عُبَادَةَ مَنْعَ النَّسَاءِ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذِهِ، وَإِبَاحَةَ التَّفَاضُلِ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِهِ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي تِلْكَ السِّتَّةِ «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ: إِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَقَطْ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا لَا يَمْتَنِعُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، مِنْهَا التَّفَاضُلُ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا: إِنَّ النَّسَاءَ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَط، اتَّفَقَتِ الْأَصْنَافُ أَوِ اخْتَلَفَتْ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (أَعْنِي: امْتِنَاعَ النَّسَاءِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ) ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ (أَعْنِي: فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ التَّفَاضُلِ وَمَنْعِ النَّسَاءِ فِيهَا) . فَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُذَّاقُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ سَبَبَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ. أَمَّا فِي الْأَرْبَعَةِ: فَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنَ الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ، وَقَدْ قِيلَ: الصِّنْفُ الْوَاحِدُ الْمُدَّخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا، وَمِنْ شَرْطِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الرِّبَا فِي الصِّنْفِ الْمُدَّخَرِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الِادِّخَارِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُوَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْقَاصِرَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
أَمَّا عِلَّةُ مَنْعِ النَّسَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَهُوَ الطُّعْمُ وَالِادِّخَارُ دُونَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ، وَلِذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهَا جَازَ عِنْدَهُمُ التَّفَاضُلُ دُونَ النَّسِيئَةِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُدَّخَرَةً (أَعْنِي: فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا) ، وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ.
أَمَّا جَوَازُ التَّفَاضُلِ، فَلِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُدَّخَرَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute