للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثٌ بَرِيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

وَالثَّالِثُ: حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ، وَالثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» ، وَهُوَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَوَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِتَعَارُضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي بَيْعٍ، وَشَرْطٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ; وَقَالَ قَوْمٌ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ابْنُ أَبِي شُبْرُمَةَ ; وَقَالَ قَوْمٌ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ; وَقَالَ أَحْمَدُ: الْبَيْعُ جَائِزٌ مَعَ شَرْطٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَعَ شَرْطَيْنِ فَلَا.

فَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيْعَ، وَالشَّرْطَ أَخَذَ بِعُمُومِ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَلِعُمُومِ نَهْيِهِ عَنِ الثُّنْيَا; وَمَنْ أَجَازَهُمَا جَمِيعًا أَخَذَ بِحَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ; وَمَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ أَخَذَ بِعُمُومِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ ; وَمَنْ لَمْ يُجِزِ الشَّرْطَيْنِ وَأَجَازَ الْوَاحِدَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ هُوَ عِنْدَكَ» .

وَأَمَّا مَالِكٌ فَالشُّرُوطُ عِنْدَهُ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: شُرُوطٌ تَبْطُلُ هِيَ وَالْبَيْعُ مَعًا; وَشُرُوطٌ تَجُوزُ هِيَ وَالْبَيْعُ مَعًا; وَشُرُوطٌ تَبْطُلُ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ; وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ عِنْدَهُ قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ أَنَّ مِنَ الشُّرُوطِ مَا إِنْ تَمَسَّكَ الْمُشْتَرِطُ بِشَرْطِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَرَكَهُ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِعْطَاءُ فُرُوقٍ بَيِّنَةٍ فِي مَذْهَبِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ عَسِيرٌ، وَقَدْ رَامَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى كَثْرَةِ مَا يَتَضَمَّنُ الشُّرُوطَ مِنْ صِنْفَيِ الْفَسَادِ الَّذِي يُخِلُّ بِصِحَّةِ الْبُيُوعِ وَهُمَا الرِّبَا، وَالْغَرَرُ، وَإِلَى قِلَّتِهِ، وَإِلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ ذَلِكَ، أَوْ إِلَى مَا يُفِيدُ نَقْصًا فِي الْمِلْكِ، فَمَا كَانَ دُخُولُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ قَبْلِ الشَّرْطِ أَبْطَلَهُ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَمَا كَانَ قَلِيلًا أَجَازَهُ وَأَجَازَ الشَّرْطَ فِيهَا، وَمَا كَانَ مُتَوَسِّطًا أَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ، وَيَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ هُوَ أَوْلَى الْمَذَاهِبِ، إِذْ بِمَذْهَبِهِ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا، وَالْجَمْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>