للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُمْ أَحْسَنُ مِنَ التَّرْجِيحِ، وَلِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَحَدُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ جَدِّي، وَالْمَازِرِيُّ، وَالْبَاجِيُّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَبِيعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَوَّلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمِلْكِ، مِثْلُ مَنْ يَبِيعُ الْأَمَةَ أَوِ الْعَبْدَ، وَيَشْتَرِطُ أَنَّهُ مَتَى عُتِقَ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ دُونَ الْمُشْتَرِي، فَمِثْلُ هَذَا قَالُوا: يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ شَرْطًا يَقَعُ فِي مُدَّةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا قَالُوا: يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمَبِيعِ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ; وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْعًا مِنْ تَصَرُّفٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ; وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ إِيقَاعَ مَعْنًى فِي الْمَبِيعِ، وَهَذَا أَيْضًا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنًى لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْبِرِّ شَيْءٌ. فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً يَسِيرَةً لَا تَعُودُ بِمَنْعِ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ، مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ وَيَشْتَرِطَ سُكْنَاهَا مُدَّةً يَسِيرَةً مِثْلَ الشَّهْرِ، وَقِيلَ: السَّنَةُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ. وَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مَنْعًا مِنْ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ، أَوْ عَامٍّ، فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنَ الثُّنْيَا، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يَبِيعَهَا، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ مِثْلَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهُ جَازَ عِنْدَهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ لَمْ يَجُزْ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهِ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ فِي إِجَازَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ الْمُعَجَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ مَنْعَ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَهُ مُضْطَرِبُ اللَّفْظِ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «أَنَّهُ بَاعَهُ وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَعَارَهُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَمَالِكٌ رَأَى هَذَا مِنْ بَابِ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ فَأَجَازَ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الْكَثِيرَةِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي مَنْعِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إِنِ اشْتَرَطَ مَعْنًى فِي الْمَبِيعِ لَيْسَ بِبِرٍّ مِثْلَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا، فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقِيلَ عَنْهُ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَقِيلَ: بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ: مَتَى جِئْتُكَ بِالثَّمَنِ رَدَدْتَ عَلَيَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ; إِنْ جَاءَ بِالثَّمَنِ كَانَ سَلَفًا، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ كَانَ بَيْعًا.

وَاخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ هَلْ يَجُوزُ فِي الْإِقَالَةِ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فَسَخَهَا عِنْدَهُ مَا يَفْسَخُ سَائِرَ الْبُيُوعِ; وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا فَسْخٌ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبُيُوعِ.

وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنَ الثَّمَنِ، فَقِيلَ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>