وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا فِي الرَّبَائِبِ؛ إِذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ أَوِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ - قَالَ: تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ بِإِطْلَاقٍ. وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطًا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى قَالَ: لَا تَحْرُمُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا هَلْ تَحْرُمُ الْبِنْتُ بِمُبَاشَرَةِ الْأُمِّ فَقَطْ؟ أَوْ بِالْوَطْءِ؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حُرْمَتَهَا بِالْوَطْءِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ مِنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، هَلْ ذَلِكَ يُحَرِّمُ؟ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ اللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ يُحَرِّمُ الْأُمَّ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ دَاوُدُ وَالْمُزَنِيُّ: لَا يُحَرِّمُهَا إِلَّا الْوَطْءُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ.
وَالنَّظَرُ عِنْدَ مَالِكٍ كَاللَّمْسِ إِذَا كَانَ نَظَرَ تَلَذُّذٍ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَفِيهِ عَنْهُ خِلَافٌ. وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ فَقَطْ. وَحَمَلَ الثَّوْرِيُّ النَّظَرَ مَحْمَلَ اللَّمْسِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ اللَّذَّةَ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَلَمْ يُوجِبْ فِي النَّظَرِ شَيْئًا، وَأَوْجَبَ فِي اللَّمْسِ.
وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلِ الْمَفْهُومُ مِنَ اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي قَوْله تَعَالَى: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣]- الْوَطْءُ؟ أَوِ التَّلَذُّذُ بِمَا دُونَ الْوَطْءِ؟ فَإِنْ كَانَ التَّلَذُّذُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ النَّظَرُ؟ أَمْ لَا؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَأَمَّا الْأُمُّ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ كَافَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ بِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالدُّخُولِ عَلَى الْبِنْتِ، كَالْحَالِ فِي الْبِنْتِ، أَعْنِي أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالدُّخُولِ عَلَى الْأُمِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلَيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ.
وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلِ الشَّرْطُ فِي قَوْله تَعَالَى: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣]- يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُمُ الرَّبَائِبُ فَقَطْ؟ أَوْ إِلَى الرَّبَائِبِ وَالْأُمَّهَاتِ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَ الرَّبَائِبِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] ؟ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] يَعُودُ عَلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُمُ الْبَنَاتُ.
وَمِنَ الْحُجَّةِ لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا» .
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَاخْتَلَفُوا فِي الزِّنَى هَلْ يُوجِبُ مِنَ التَّحْرِيمِ فِي هَؤُلَاءِ مَا يُوجِبُ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، أَعْنِي: الَّذِي يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَى بِالْمَرْأَةِ لَا يُحَرِّمُ نِكَاحَ أُمِّهَا وَلَا ابْنَتِهَا، وَلَا نِكَاحَ أَبِي الزَّانِي لَهَا وَلَا ابْنِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute