وَأَمَّا شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ الْمُخْتَصَّةُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْجَمَاعَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الطَّبَرِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ثَلَاثَةٌ دُونَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ قَوْمٌ ثَلَاثِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَدًا، وَلَكِنْ رَأَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَجُوزُ بِالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَحَدَّهُمْ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ هَلْ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوِ اثْنَانِ، وَهَلِ الْإِمَامُ دَاخِلٌ فِيهِمْ أَمْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيهِمْ؟ وَهَلِ الْجَمْعُ الْمُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هُوَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَذَلِكَ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ اثْنَانِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي الْجَمْعِ الْمُشْتَرَطِ فِي ذَلِكَ قَالَ: تَقُومُ الْجُمُعَةُ بِاثْنَيْنِ الْإِمَامِ وَوَاحِدٍ ثَانٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى أَنْ يُعَدَّ الْإِمَامُ فِي الْجَمْعِ قَالَ: تَقُومُ بِاثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ، وَمَنْ كَانَ أَيْضًا عِنْدَهُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ قَالَ بِثَلَاثَةٍ سِوَى الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعُدُّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ وَافَقَ قَوْلَ مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلَمْ يَعُدَّ الْإِمَامَ فِي جُمْلَتِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ رَاعَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فِي الْأَكْثَرِ وَالْعُرْفِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْجَمْعِ قَالَ: لَا تَنْعَقِدُ بِالِاثْنَيْنِ وَلَا بِالْأَرْبَعَةِ وَلَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الِاسْتِيطَانَ عِنْدَهُ حَدَّ هَذَا الْجَمْعَ بِالْقَدْرِ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْكُنُوا عَلَى حِدَةٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ الْأَرْبَعِينَ، فَمَصِيرًا إِلَى مَا رُوِيَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ صُلِّيَتْ بِالنَّاسِ، فَهَذَا هُوَ أَحَدُ شُرُوطِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (أَعْنِي شُرُوطَ الْوُجُوبِ، وَشُرُوطَ الصِّحَّةِ) فَإِنَّ مِنَ الشُّرُوطِ مَا هِيَ شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا يَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا (أَعْنِي أَنَّهَا شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ صِحَّةٍ) .
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ الِاسْتِيطَانُ، فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى المُسَافِرٍ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِإِيجَابِهِمُ الْجُمُعَةَ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمِصْرَ وَالسُّلْطَانَ مَعَ هَذَا، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْعَدَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute