وَالثَّانِيَةُ: مَتَى يَكُونُ مُدْرِكًا مَعَهُ لِحُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ (أَعْنِي سَهْوَ الْإِمَامِ) وَالثَّالِثَةُ: مَتَى يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ الدَّاخِلَ وَرَاءَ إِمَامٍ يُتِمُّ الْإِتْمَامَ إِذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بَعْضَهَا؟
فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ، وَيَقْضِي رَكْعَةً ثَانِيَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ صَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا.
وَقَوْمٌ قَالُوا: بَلْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ أَدْرَكَ مِنْهَا مَا أَدْرَكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا: هُوَ مَا يُظَنُّ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ، وَبَيْنَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَإِنَّهُ مَنْ صَارَ إِلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» أَوْجَبَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ أَدْرَكَ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ فَقَدْ أَدْرَكَ حُكْمَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: دَلِيلُ الْخِطَابِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَمْ يُدْرِكْ حُكْمَ الصَّلَاةِ وَالْمَحْذُوفُ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُحْتَمِلٌ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ فَضْلُ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حُكْمُ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ فِي أَحَدِهِمَا أَظْهَرَ مِنْهُ فِي الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي حُكْمًا، وَكَانَ الْآخَرُ بِالْعُمُومِ أَوْلَى، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَحْذُوفَاتِ، وَهُوَ مَثَلًا الْحُكْمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّاهِرُ مُعَارِضًا لِلْعُمُومِ، إِلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَالْعُمُومُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلَا سِيَّمَا الدَّلِيلُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمُحْتَمَلِ والظَّاهِرِ. وَأَمَّا مَنْ يَرَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَحْذُوفَاتِ فَضَعِيفٌ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، إِلَّا أَنْ يَتَقَرَّرَ أَنَّ هُنَاكَ اصْطِلَاحًا عُرْفِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي السُّجُودِ: (أَعْنِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ) فَإِنَّ قَوْمًا اعْتَبَرُوا فِي ذَلِكَ الرَّكْعَةَ: (أَعْنِي: أَنْ يُدْرِكَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَهُ رَكْعَةً) وَقَوْمٌ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ، فَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ، فَمَصِيرًا إِلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، وَمَنِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَمَصِيرًا إِلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» .
وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute