للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] » .

فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ اخْتَارَ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْحَدِيثِ الثَّانِي اخْتَارَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً قَصِيرَةً، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] قَالَ يَقْرَأُ فِيهِمَا مَا أَحَبَّ.

وَالثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهِمَا فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِيهِمَا هُوَ الْجَهْرُ، وَخَيَّرَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ.

وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ: تَعَارُضُ مَفْهُومِ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا سِرًّا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَشُكَّ عَائِشَةُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] : أَنَّ قِرَاءَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمَا كَانَتْ جَهْرًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا عَلِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا.

فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ قَالَ: إِمَّا بِاخْتِيَارِ الْجَهْرِ إِنْ رَجَّحَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِمَّا بِاخْتِيَارِ الْإِسْرَارِ إِنْ رَجَّحَ حَدِيثَ عَائِشَةَ. وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ.

وَالثَّالِثَةُ: فِي الَّذِي لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيَصِلِّيَهُمَا فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرْضَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلِ في الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْهمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا يَدْخُلَهُ، وَخَالَفَهُ فِي الْحَدِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَرْكَعُهُمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَلَا يَرْكَعُهُمَا أَصْلًا، لَا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَا خَارِجَهُ.

وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ قَوْمًا جَوَّزُوا رُكُوعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي وَهُوَ شَاذٌّ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ» :

فَمَنْ حَمَلَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ لَمْ يُجِزْ صَلَاةَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>