فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْتُ أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ حِينَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ» ، وَقَالَ قَوْمٌ بِهَذَا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُمُ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا صَارَ الْجَمِيعُ إِلَى الْأَخْذِ بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَيْءٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ تَوْقِيفٌ، إِذْ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ الرَّفْعَ إِلَّا فِي الِاسْتِفْتَاحِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَيَّرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ - أَعْنِي: وُجُوبَ السُّنَّةِ - فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلِّيهَا الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ يُصَلِّيهَا أَهْلُ الْبَوَادِي، وَمَنْ لَا يُجَمِّعُ حَتَّى الْمَرْأَةَ فِي بَيْتِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِنَّمَا تَجِبُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْمَدَائِنِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى عَلَى مُسَافِرٍ.
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ: اخْتِلَافُهُمْ فِي قِيَاسِهَا عَلَى الْجُمُعَةِ، فَمَنْ قَاسَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيهَا على مَذْهَبَهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَمَنْ لَمْ يَقِسْهَا رَأَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ مُخَاطِبٌ بِهَا حَتَّى يَثْبُتَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنَ الْخِطَابِ.
قَالَ الْقَاضِي: قَدْ فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَ الْحُكْمِ لِلنِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ النِّسَاءَ بِالْخُرُوجِ لِلْعِيدَيْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ» .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ مِنْهُ الْمَجِيءُ إِلَيْهَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنَ الثلاثة الْأَمْيَالِ إِلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يَأْتِهِمْ عِلْمٌ بِأَنَّهُ الْعِيدُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ وَلَا مِنَ الْغَدِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute